كتب غاصب المختار في “اللواء”:
بات اللعب في الوقت الضائع أو المستقطع من عمر البلاد والعباد سِمة حركة ومواقف القوى السياسية في المرحلة الفاصلة عن توافق داخلي وخارجي لا بد منه على رئيس للجمهورية، وربما رئيس الحكومة وتشكيلة الحكومة وتوزيع الحقائب على القوى السياسية والطوائف، حسبما يتردد في أكثر من مجلس سياسي، من ضمن الحديث عن سلة متكاملة للخروج من الفراغ الدستوري الرئاسي والحكومي.
الثنائي أمل وحزب الله يلعب على وقت الحوار والتوافق الداخلي بعيد المنال حالياً، ومجموعة القوات اللبنانية والكتائب والحلفاء يلعبون على وقت التدخل الخارجي لفرض المرشح الذي يعنيهم، أو التفاف نحو ثلاثين نائباً من قوى التغيير والمستقلين حولهم لإيصال مرشحهم، وهذا لا يتم إلّا بدفع من قوى خارجية مؤثرة على قسم من نواب التغيير والمستقلين. لذلك برز بعد جلسة الخميس الانتخابية موقف من بعض نواب التغيير يتحدث عن احتمال تبنّي ترشيح ميشال معوض.
والحزب التقدمي الاشتراكي يلعب على وقت مسعى الرئيس نبيه بري ونجاح الحوار والتوافق المطلوبين، قبل أن ينتقل من ضفة ترشيح ميشال معوض الى ضفة المرشح التوافقي أو «المقبول» منه ومن حلفائه لا سيما الرئيس بري.
والتيار الوطني الحر يلعب على وقت استحقاق الحاجة الى كتلته النيابية الكبيرة لتزكية هذا المرشح أو ذاك، وقد أعلن رئيس التيار جبران باسيل ذلك من باريس أخيراً بما معناه: ان كتلته النيابية وتياره السياسي قوة ناخبة كبيرة، ومن دونه لا يستقيم أي إجراء يتعلق بموقع رسمي كبير أو صغير للمسيحيين وللموارنة تحديداً…
وعلى هذا لا يمكن انتخاب رئيس للجمهورية أو حتى تشكيل حكومة من دون الوقوف على رأي باسيل وتياره السياسي وأخذه بعين الاعتبار والأغلب القبول به أو بمعظمه، وبالرغم من ان باسيل «لم يترك له صاحباً» من بين القوى السياسية سوى حليف أو اثنين لا يستطيعان إيصاله الى سُدّة الرئاسة. وها هو يستعين مرة بقطر ومرة بفرنسا لشرح موقفه، وليحفظ له مكان في أي تسوية توافقية لاحقاً على تركيبة الحكم الجديدة، كما هو المرجّح في حال تمّت التسوية، سواء بتدخّل وضغط خارجي أو بتوافق داخلي يباركه الخارج. لكن مع هذا الكمّ من الخصومة مع أغلب القوى السياسية الداخلية والعلاقة «الصعبة» مع بعض الدول العربية المعنية والمؤثرة في لبنان، من الصعب حصوله على كل ما يريده.
لذلك بدل محاولة باسيل تدوير الزوايا والتنازل عن بعض شروطه يتجه الى مزيد من جمع الخصوم، حتى ان اقتراحه التوافق مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية على مرشح ثالث غيرهما لم يصل الى باب بنشعي على ما يقول الكثيرون. وحزب الله وصل مرحلة العجز عن تحقيق تفاهم بين الرجلين، كما ان الحزب حسب مصادر موثوقة – أبدى انزعاجه من تصعيد باسيل بوجه الرئيس بري وفرنجية، علماً انه اتفق في اللقاء مع رئيس المجلس على التهدئة السياسية والإعلامية وأبلغه بموقفه برفض ترشيح فرنجية فردّ بري ان فرنجية هو مرشحنا، فأدلى بما أدلى به من باريس بحق بري وفرنجية ما أضاع فرصة استكمال التشاور والتوافق. مع ان بعض المعلومات تحدثت عن زيارة مرتقبة لوفد من الحزب الى باسيل قريباً، في محاولة أخيرة لإقناعه بالتوافق على فرنجية أو الاستماع الى ما الجديد لديه.
لكن مصادر الحزب أكدت لـ «اللواء» ان لا لقاء مرتقب بعد اللقاء الذي جمع السيد حسن نصر الله وباسيل قبل نحو 3 أسابيع، وبالتالي لا خطوة جديدة سيقوم بها الحزب تجاه باسيل مع التمسك بالتفاهم القائم بين التيار والحزب وعدم القطيعة بينهما، بإنتظار تهدئة الأجواء التي توترت أخيراً.
وبقطع النظر عن هذه التطورات، وسواء توصل الحزب الى إقناع باسيل بموقفه، فإن لعبة الوقت الضائع باتت مملّة ومُكلفة على الوطن وعلى الاقتصاد وبالطبع على الناس، بخاصة أن القوى السياسية الأخرى قد لا تمشي بخيار اتفاق الحزب مع باسيل وتبقى متمسّكة بخياراتها، ما يعني إطالة عمر الشغور الرئاسي والحكومي.
لذلك بقي الرهان على ما يتردد حول محاولة الدول المعنية بالوضع اللبناني التوصل الى «سلّة حلول» تُرضي الجميع في الداخل والخارج، قوامها التوافق على رئيس جمهورية من هذا الفريق ورئيس حكومة من فريق آخر، مع ان البعض يرى ان مثل تجربة التعايش بين رئيسين نقيضين ومن اتجاهين مختلفين فشلت هي أيضاً برغم التفاهم الأوّلي بينهما، ثم الاختلاف والانفصال والتعطيل، فعلى أي رهان توافقي آخر يشتغل المشتغلون؟ وكيف سيتم توفير الضمانات والشروط التي يرفعها كل طرف؟ لكن المصادر المتابعة والموثوقة تؤكد لـ «اللواء» ان كل الحراك القائم خارجياً وداخلياً لم يتوصل الى حل، خاصة بعد دخول لبنان ودول المنطقة في ما يُسمى «هدنة المونديال» خلال الشهر المقبل.