كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
لن يتبدّل شيء في المشهد النيابي الذي ستعبّر عنه اليوم الحلقة السابعة من جلسات الخميس، فقد عززت المواقف الاخيرة كل السيناريوهات التي تتحدث عن مسلسل طويل لا يحول دونه أي «خبطة سياسية» غير متوقعة حتى اليوم. وفي اعتقاد مراجع ديبلوماسية، وبعدما قدّمت مختلف القوى ما لديها، انّ المبادرة باتت مطلوبة من «حزب الله» قبل غيره من القوى السياسية المتحكّمة بالاستحقاق الرئاسي. وعليه، كيف يمكن مقاربة هذه المعادلة؟
توقفت مراجع ديبلوماسية امام مجموعة من المؤشرات التي عبّرت عنها المواقف الاخيرة وأوحَت الى اللبنانيين انّ كل الدروب مقفلة الى ما يؤدي الى إنهاء مرحلة خلو سدة الرئاسة. وان ليس هناك من أفق يمكن ان يؤمن نصاب الثلثين الذي بات من باب الأمر الواقع الحاضنة الاولى لتوفير النصف زائداً واحداً لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية.
وعند الدخول في التفاصيل المملّة لخريطة المواقف من الاستحقاق الرئاسي لا بد من التوقف عند حجم القدرات التي تمتلكها القوى المعنية بتوليد التوافق على الرئيس بعدما استنفدت معظم القوى السياسية والحزبية كل قواها، وقدّمت ما لديها من عروض لا يمكن ان تؤدي الى كسر الحلقة المفرغة التي دخلت فيها العملية الانتخابية.
وإن قيست هذه المعادلة بالمعايير الداخلية والدولية، فقد توقف تقرير ديبلوماسي أعدّته سفارة، سبق لها ان دخلت في كثير من المبادرات لإخراج لبنان من مسلسل أزماته، عند الملاحظات الآتية:
– إستنفد رئيس المجلس النيابي نبيه بري حتى اليوم معظم قواه وقدراته في إدارة العملية الانتخابية، وبعد ان جمّد مساعيه من اجل التوافق بين الـ 128 نائبا على المرشح الرئاسي لا يبدو انّ لديه مبادرة جديدة بمعزل عن التفاهم العميق الذي وضع اصوات كتلته في سلة واحدة مع نواب «حزب الله» أياً كان الثمن المدفوع سلفاً او الذي عليه ان يدفعه لاحقاً. ولم يبق سوى الرهان على التسريبات التي تحدثت عن توجّه الى فتح حوار جانبي مع قوى من خارج حلفائه وحلفاء الحلفاء، لكنّ أياً من المقربين منه لم يؤكد تلك الروايات بما فيها التحرّك المزمع القيام به في اتجاه معراب بعد ان فتح خطاً للتواصل مع بكركي.
– لا يبدو انّ القوى الحزبية والكتل النيابية المعارضة، بما فيها التقدمي الاشتراكي والكتائب و»القوات اللبنانية» وما سمّي في السابق «كتلة النواب التغييريين»، قادرة على الخروج من «الشرنقة» التي طوّقت أحلامهم وكبّلت مشاريعهم. فأصحاب الأفكار التوحيدية الذين نجحوا في تأمين الحد الأدنى من التوافق بين أكبر كتلة نيابية جمعت ما بين 27 و29 نائباً اصطدموا في النتيجة بحائط سميك نتيجة ظهور اكثر من «حصان طروادة» في صفوفهم. ولذلك فقد بقيت قدراتهم محدودة ترجمتها صندوقة الاقتراع في الجلسات الست الاخيرة لانتخاب الرئيس من ضمن هامش حركة محدود جداً يلعب بين الاربعين والخمسين صوتاً لمصلحة المرشح ميشال معوض عند احتساب المعتذرين والمتغيّبين عن ايّ من هذه الجلسات. ولذلك بقي اصحاب هذه المجموعة في مواجهة شبه متكافئة الى حد ما مع مجموعة «الأوراق البيض» بعد التفكّك الذي أصاب الطرفين ولو بنحوٍ متفاوت، وانعكس بروز أسماء متفرقة في صندوقة الاقتراع.
– لا يبدو لأيّ من المراقبين ان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل – بمَن فيهم أقرب المقرّبين إليه – قادِر على الخروج من «الحصار» المضروب عليه. فكل الحركة الخارجية التي قادها في اتجاه اكثر من طرف خليجي ودولي، سواء تلك المعلن عنها او التي قام بها سراً، لم تحقق أيّاً مما اعلن عنه من أهداف. لا بل انّ بعضاً منها انعكس سلبا على علاقاته بالحلفاء وحلفاء الحلفاء الى درجة لم تتح له أن يتقدم اي خطوة من أجل حضوره في صندوق الاقتراع إن لم يكن بعضها قد أبعده عنها مسافات كبيرة.
– لم يظهر انّ النواب السنّة قادرون على توحيد موقفهم ليشكلوا قوة وازنة يسعى إليها البعض رغم حجم العقبات التي واجهته. ولذلك بقيت قواهم موزّعة بين انصار الطرفين، ما خلا تلك المحاولة الاخيرة التي يمكن ان تنتج كتلة نيابية لا بأس بها قد تؤمن حضورا بات رهنا بأي توافق في ظل صعوبة القيام بأي مبادرة خاصة بهم طالما ان هناك صعوبة في أن تكون أكثريتهم في سلة من السلتين.
وتأسيساً على خريطة هذه المواقف، يتحدث التقرير عن «ستاتيكو ثابت» قد لا يتغير في اي محطة قريبة، فليس هناك ما يوحي بكسر هذه الحلقة. ولذلك، وفي ظل الحديث عن فقدان اي وسيط سبق له ان أدّى أدواراً مميزة في اكثر من استحقاق، فقد أوحى انّ اي خطوة يُقدم عليها «حزب الله» قد تغير المشهد السياسي والانتخابي معاً. فإصراره على الورقة البيضاء وتعطيل الانتقال إلى اي دورة ثانية تلي اي جلسة لا بد من ان يتبدّل في اي وقت. وهو أمر بات رهن اي تطور ما زال غامضا في معالمه المتوقعة طالما انّ هناك اقتناعاً بأنه بات المتحكّم الوحيد باللعبة الرئاسية قياساً على قدرته على التصرف بالكتلة النيابية الشيعية كاملة بالتنسيق مع النصف الثاني منها. وقد ثبت للقريب والبعيد انّ أيّاً من الاطراف الداخلية، ومهما بلغت قدراته، لا يمكنه ان يُجبر «حزب الله» على اي تحوّل، لكن لعبة المرشحين باتت في سلته ولا يمكنه ان يعلن «عجزه» الكامل عن إدارة فريقه النيابي بما يجمعه من أضداد.
وينتهي التقرير الى تصوير السيناريو الذي يوفّر المخرج، فيبنيه على قدرة «حزب الله» على الخروج من دائرة المراوحة التي بات فيها، فأمامه اكثر من مخرج، وان صح القول انه لا يريد خوض الاستحقاق بما يستفزّ الاميركيين والسعوديين فإنّ عليه ان يُبادر من ضمن حركة الإتصالات الاقليمية والدولية الجارية الى طرح جديد يسجّل فيه تنازلات عدة لا بد منها على قاعدة انتخاب رئيس يُحيي الدولة ومؤسساتها، لا لحماية المقاومة فحسب إن كانت ما زالت «خلف الدولة» كما كانت في عملية الترسيم. وعليه، تبقى الإشارة ضرورية إن كان الحزب سينجح بتسويق مرشحه سليمان فرنجية ـ وهو امر ليس صعباً ـ فقد كان مرشح الخصوم عام 2016. وإن تم التفاهم على مرشح آخر لن يكون الأمر صعبا ايضا. فالمرحلة المقبلة التي تفرض عملية «تبادل الضمانات» توفّر للرئيس العتيد قدرة على الحركة لترميم علاقات لبنان مع العالمين العربي والغربي، وقد بدأت بشائرها في عملية الترسيم في حد ذاتها. وعليه، من سيكون «الحصان الفائز» في السباق الى قصر بعبدا ومتى يمكن ترجمة مثل هذا السيناريو إن كان المخرج الوحيد للخروج من الأزمة؟.