كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
الترويج عن خلاف مزعوم بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ على موضوع انتخاب رئيس للجمهورية ليس جديداً، ولم يعد يقنع اللبنانيين بالرغم من كل مايحاك من روايات هزلية، ويتردد من أخبار وتسريبات فكاهية عن تباعد، قد يصل في بعض الاحيان الى حد التهويل بالافتراق بين الحليفين تارة، اذا لم تلب مطالب الوريث العوني، وحتى بلوغ حد التهديد بتمزيق تفاهم مار مخايل تارة اخرى. تعود اللبنانيون على هذه الحركات والخبريات، منذ صياغة التحالف الثنائي بين الطرفين بعد عودة الجنرال من منفاه الفرنسي، بعد جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري المدان بارتكابها كوادر من الحزب. كانت العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ، تسير حسب ادوار مرسومة، يتناوب فيها الطرفان على تعطيل مسار الدولة، كل بدوره اذا لم تكن السلطة مطواعة بيدهم، وتحقق مصلحتهم بالتغاضي عن تجاوزات الحزب بسلاحه الإيراني للقوانين والدستور، وتبعيته العمياء للسياسة الايرانية ومصالحها الاقليمية والدولية.
على هذه القاعدة، سارت علاقة الحزب مع التيار الوطني الحر. وهكذا تم تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، بعد انتهاء ولاية أميل لحود، وبعدها ولاية الرئيس ميشال سليمان وكما يجري الان بعد انتهاء ولاية رمز خراب الجمهورية ودمار مؤسسات الدولة ميشال عون.
سجل الطرفين حافل في هذا المجال، من مآثرهما تم تعطيل وإغلاق المجلس النيابي قسرا بالسابق، واسقاط حكومة الوحدة الوطنية بالانقلاب عليها، وعرقلة تشكيل الحكومات الواحدةتلو الاخرى، اذا كانت لا تلبي مطالب وشروط الطرفين معا او مطلب كل منهما على حدة.
عطّلَ حزب الله والتيار الوطني الانتخابات الرئاسية السابقة ما يقارب من السنتين ونصف، لفرض انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، ولم يثقل الفراغ الرئاسي يومذاك كاهلهما، او يقضّ مضاجعهما، او يشكل خطرا على موقع الرئاسة الاولى.
ولذلك، لم يكن مستغربا ان يلجأ حزب الله لتعطيل الانتخابات الرئاسية الحالية بالاقتراع بالورقة البيضاء، بسبب عدم قدرته على فرض رئيس للجمهورية مواليا بالقوة هذه المرة، بحجة رفضه انتخاب رئيس يشكل تحديا لاي طرف كان، وحرصه على التوافق مسبقا على اسم رئيس الجمهورية بين مختلف الاطراف.
اليوم، يتصدّر مشهد التعطيل حليف الحزب النائب جبران باسيل، برفضه تأييد حليف الحزب الآخر رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للرئاسة الاولى بحجة افتقاده الى قاعدة التمثيل النيابي والشعبي المسيحي، وتحاك الروايات الدنكشوتية حول دوره بتعطيل انتخاب اي رئيس للجمهورية اذا لم يحظ برضاه وتاييده، ما يضع الحزب بموقف حرج، ويدفعه، اما للتوفيق بين حليفيه وان كان هذا متعذرا حتى الساعة، او تفضيل احدهما عن الاخر، وما يمكن أن يترتب على مثل هذا الخيار من تداعيات سلبية على التحالف والعلاقات بينهما، او التعاطي بملف الانتخابات الرئاسية بمعزل عنهما، وان كان مثل هذا الخيار مستبعداً مشهد زعل الوريث العوني من امكانية تبني حزب الله ترشيح فرنجية للرئاسة، وتفضيله عليه وانتهاجه مواقف انتقادية لسلاح الحزب ودوره وممارساته، ليست جديدة، وهي تستحضر في ذاكرتهم، ما قام به باسيل إبان الانتخابات النيابية الاخيرة وخلال مشاورات تشكيل الحكومة التي لم يكتب لها التاليف أواخر العهد العوني المشؤوم، من مناورات وسيناريوهات تهويلية وابتزازية، لتحقيق مطالبه وشروطه المطروحة مستغلا الاستحقاق الرئاسي هذه المرة، لتحقيق اهدافه المعلنة منها والمخفية، وفي كل الاحوال لم ينفذ ايا من تهديداته، بالانفصال عن حليفه وعاد منتظما بالتحالف معه بالانتخابات النيابية المقبلة، لانه لم يستطيع اقامة اي تحالف، مع اي طرف سياسي اخر، في طول البلاد وعرضها.
وفي ضوء ما يحصل، يتلطى حزب الله وراء مبدأ التوافق مسبقا مع الخصوم السياسيين لانتخاب رئيس جديد للجمهورية تارة، والى تسوية الخلاف بين حليفيه اللدودين باسيل وفرنجية، تارة اخرى لتبرير الامتناع عن انتخاب رئيس الجمهورية حتى الساعة. والخلاصة بما يحصل توزيع ادوار مرسومة بتعطيل انتخاب الرئيس، واطالة امد الفراغ الرئاسي الى وقت غير معلوم، والاستمرار بربط هذا الاستحقاق المهم، بمصالح إيران الاقليمية والدولية على حساب مصلحة لبنان واللبنانيين.