Site icon IMLebanon

المردة والقوات: بين المصالحة والتفاهم رئاسياً

كتب أحمد الأيوبي في “اللواء”:

تطايرت في سماء الإعلام وأروقة السياسية فكرة التوصل إلى تفاهم بين حزب القوات اللبنانية وتيار المردة في ما يمكن تعريفه بإتفاق «معراب 2» كمخرج من الانسداد الحاصل في ملف رئاسة الجمهورية، والتصدّع القائم في التجمعات النيابية الأمر الذي يحول دون ملء الفراغ الرئاسي ويؤسِّس لتغيير واسع في خارطة الانتشار السياسي للأحزاب في لبنان.

لا يمكن القول إنّ فكرة «معراب 2» هي الخيار المطروح حالياً، بل هي مستبعدة لعوامل كثيرة، أهمّها أنّ القوات اللبنانية التي اكتوت من جهنم عهد ميشال عون ليست مستعدة لتكرار دعم وصول مرشح من عصب 8 آذار أياً كان الشخص، وبالتالي لا تضع في برنامجها التراجع عن المواصفات التي يجب أن يحملها المرشح المطلوب دعمه للوصول إلى قصر بعبدا.

يشجِّع على رفض خيار الاقتراب من فرنجية عوامل أخرى، منها إمكانية الوصول إلى مرشح ثالث يحمل مواصفات سيادية وقادر على تحريك الاصطفافات بتحالفات رئاسية جديدة، في حال استمرار الوضع على الجمود الراهن.

لكن هنا تبرز إشكاليات أخرى، أهمّها أنّ تمادي الفراع سيترك آثاراً شديدة الخطورة على مجمل الأوضاع في البلد أمنياً واجتماعياً واقتصادياً، وهذا يهدِّد بفلتان يشبه ما حذّرت منه مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف أن عدم انتخاب رئيس للجمهورية سيؤدّي بلبنان إلى فراغ سياسي غير مسبوق، ما ينذر بـ«انهيار الدولة مجتمعياً».

هذا الجانب الخطر في الانتظار الرئاسي قد يؤدّي في حال وقوع هذا الانهيار الشامل إلى عودة الحديث عن المؤتمر التأسيسي ويفتح الشهية أو الشهوات للتلاعب باتفاق الطائف والعمل على فرض تغييرٍ دستوريّ بشكلٍ من أشكال القوة القاهرة على سائر اللبنانيين.

لا يمكن في هذا المسار استبعاد توسّع المواجهة السياسية والشعبية إلى أبعادٍ أمنية واستراتيجية لتبرز حرب إلغاء جديدة يخوضها «حزب الله» مع التيار الوطني الحرّ لتدمير كلّ مواقع المعارضة في البلد، أو هكذا يوسوِس الموسوسون في بعض المحافل السياسية.

في المقابل، يضع مراقبون مساراً لتجميع نقاط الالتقاء بين النائب الأسبق سليمان فرنجية وبين الدكتور سمير جعجع، ومنها:

أنّ التيار الوطني الحر في عمقه هو حاجة مستمرة لـ«حزب الله» بينما لا يعتبر فرنجية خياراً مريحاً، لأنّ ما يقدِّمه باسيل للحزب لا يقدّمه فرنجية ولا أيّ حليف آخر، فهو مستعدّ لفعل أيّ شيء، بما في ذلك إشعال نار الصراعات والفتن الطائفية والمذهبية شرط البقاء في السلطة وإذا اقتضى وصوله إلى قصر بعبدا إيقاظ الفتن من القبور، لفعل بدون تردّد.

في المقابل، فإنّ سليمان فرنجية أنجز مصالحة تاريخية مع سمير جعجع والتزم بها أدبياً من دون توقيع تفاهمات أو اتفاقات، ولم يلجأ يوماً إلى نكء الجراح أو التذكير بمأساته الشخصية إلاّ في إطار المحافظة على تلك المصالحة، ولم يشنّ فرنجية حرب إلغاء سياسية وعسكرية وأمنية ضدّ القوات كما فعل عون سنة 1989.

ولا شكّ أنّ أيّ شكلٍ من أشكال التقارب بين القوات والمردة سيعني تلقائياً خسارة لجبران باسيل ولحليفه «حزب الله» وهما اللذان حاولا إعادة سمير جعجع إلى السجن بعد افتعال غزوة الطيونة عين الرمانة وفشلا.

يعتبر المراقبون أنّ حالة فرنجية النيابية المحدودة (5 نواب) لا تخيف سمير جعجع بينما كتلة جبران (20 نائباً) تشكّل خطراً فعلياً ضدّ القوات اللبنانية التي لديها كتلة من 20 نائباً، حتى لو كان باسيل استعان بـ«حزب الله» في تكوين كتلته النيابية. وإذا وصل فرنجية إلى سدّة الرئاسة سيأخذ من حصة باسيل وليس من حصة القوات على المستويين الشعبي والسياسي، لأنّ جمهور جبران مسيحي قريب إلى 8 آذار، وهو الجمهور القريب استراتيجياً من فرنجية.

يلتقي جعجع وفرنجية على دعم وحماية اتفاق الطائف، بعكس باسيل الذي أعلن صراحة أنّ هذا الاتفاق يجب تغييره لأنّه تضمّن بيع القيادات المسيحية الموافقة عليه، لحقوق المسيحيين.

وسيؤدّي الاتفاق بين القوات والمردة إلى وقف استنزاف الطائف، فالطرفان مؤيدان للدستور وللاتفاق، ووصول رئيس جمهورية مؤيّد للطائف سيمنع الانزلاق نحو مؤتمر تأسيسي أو استكمال الانهيار تمهيداً لفرض تعديل الدستور.

مسألة أخرى يلتقي عليها فرنجية وجعجع، وهي رفضهما لتدمير النظام الاقتصادي اللبناني المبني على الاقتصاد الحرّ، والتمسّك بالبنية الأساسية للمجتمع الاقتصادي ورفض التخريب الحاصل في الاقتصاد الذي امتدّ إلى مختلف نواحي الحياة، فدمّر معه قطاعات الصحة والتعليم وضرب مختلف المرافق التي طالما ميّزت لبنان.

رغم ما يظهر من عقبات وصعوبات في وجه جبران باسيل للوصول إلى رئاسة الجمهورية، لكن لا يجب استبعاده بالمطلق، كما أنّ «حزب الله» يعتبر أنّ باسيل معبر حتمي لرئاسة الجمهورية، وهذا يعني إخضاع فرنجية لابتزاز الصهر الوقح، والتمسّك بمواصفات مضادة للسيادة والإصلاح، بينما إذا حكمت الظروف التفاهم بين القوات والمردة، فإنّ جعجع يكون هو المعبر الإلزامي لرئاسة الجمهورية وليس باسيل.

إقليمياً: في حال نجح باسيل في الوصول إلى الرئاسة الأولى سيكون هناك خاسران محليان كبيران هما سمير جعجع وسليمان فرنجية. وإقليمياً ستخسر السعودية وتفوز إيران، بينما تحتفظ عائلة فرنجية بعلاقات تاريخية مع السعودية وهي بصدد الحفاظ عليها، بدون أيّ حرج قد يفرضه تحالف سليمان مع الحزب وصولاً إلى تحقيق وقف تحويل لبنان إلى منصّةٍ معادية للسعودية بحيث يكون الرئيس غير معادٍ للرياض على أقلّ تقدير.

في البُعد الإقليمي أيضاً، تضمّن الاتصال بين الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون والأمير محمد بن سلمان سؤالاً حول مدى تقبّل السعودية لسليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، ولم يعرف أحدٌ بعد ما كان الجواب السعودي على السؤال الفرنسي، لكنّ ما جرى حتى الآن بين فرنجية وسفير المملكة في بيروت يعتبر مقدِّمة ضرورية لوضع مساحة جديدة بين الرياض وعدد من القوى المحسوبة في خطّ الممانعة وخصوصاً النائب الأسبق فرنجية والنائب فيصل كرامي.

لن تذهب القوات اللبنانية وسائر قوى المعارضة نحو خيارات حاسمة قبل اتضاح الرؤية الإقليمية والدولية، لأنّ مناورات «حزب الله» لا تزال في بداياتها، ولا تزال إيران تتعامل مع لبنان كرهينة مخطوفة، تصلبه في قلب العواصف التي تفتعلها في الإقليم، بينما بدأت عوامل الانهيار تضرب عميقاً في جسد نظام الوليّ الفقيه.

والمثير للانتباه هنا أنّ «حزب الله» يعتبر التدخّل الإيراني من خلاله عملاً «وطنياً» بينما يُسرف في معاداة السعودية التي يريد الحصول على دعمها وهو يدير تحالف السلاح مع الفساد، وهي معادلة أعلنت المملكة أنّها لن تقبل بها مهما كانت النتائج.

ولا شكّ أنّ القوات تسعى إلى أن لا تُحشر في موقف مشابه لاضطرارها إلى انتخاب ميشال عون، لكنّ الأكيد أنّ هناك مستويين في العلاقة بين القوات والمردة: المستوى الأول هو المصالحة بين الطرفين وهذا إنجاز يجب حمايته وتعزيزه وعدم السماح بتخريبه لأنّه ضرورة للاستقرار ولطيّ صفحة الحرب.

أما المستوى الثاني، فهو ملف انتخابات رئاسة الجمهورية، والملاحظ هنا أنّ القوات حيّدت أيّ صراع شخصي وأكّدت أنّ الخلاف هو في السياسة، كما أنّ الدكتور جعجع أعلن أنّ القوات لن تعطِّل النصاب بعد فترة معينة حتى لو بدا أنّ مرشّح 8 آذار سيكون الفائز.

لا يكمن تجاهل أنّ تداعيات الثورة الإيرانية لن تتأخّر في الوصول إلى لبنان، وهي تداعيات كبيرة لأنّ صمود الثوار شهراً إضافياً سيعني وقوع تصدّعات هائلة في الكيان الإيراني، وهذا ما يدركه حزبه في لبنان وحلفاؤه، لذلك، فإنّ السباق بين التسويات المحلية والتدخلات الدولية في أشدِّه هذه الأيام وبالانتظار يُطرح سؤال آخر لا يقلّ غرابة وأهميّة عن سؤال ما إذا كان ممكناً الوصول إلى «معراب 2» وهو: هل يمكن أن يتفق الطرفان على مرشح ثالث يضمن معادلة سياسية جديدة تمنع غول الحالة العونية من ابتلاع البلد وتستجيب لتطلعات المجتمعات اللبناني والعربي والدولي بإنجاز الإصلاحات وإعادة لبنان إلى موقعه الطبيعي عربياً وعالميا؟