كتب فادي عبود في “الجمهورية”:
نرحّب بالخطوة التي اتخذها معالي وزير الداخلية بسام المولوي في رفع الغطاء عن المسؤولين والموظفين في «النافعة» (مصلحة تسجيل الآليات والسيارات)، والسماح بملاحقة المتورطين في عمليات فساد، ونتمنى ان تلي هذه الخطوة خطة جدّية في إصلاح المؤسسة.
ونسأل ماذا عن المؤسسات الأخرى، هل الفساد مستشرٍ فقط في النافعة؟ فإذا كنا جدّيين في محاربة الفساد وإصلاح المؤسسات العامة يجب ان تتمدّد هذه الخطوة لتطاول كل المؤسسات الاخرى، والتي لا تقلّ فساداً عن «النافعة». كلها بلا استثناء تحتاج إلى خطوات مشابهة.
والأهم، ما هي الخطة لإصلاح هذه المؤسسات؟ فهل سنستمر في الإجراءات الادارية نفسها التي كانت معتمدة؟ هل سنستمر في تغييب الشفافية عن عمل الإدارات؟
إنّ الملاحقة القضائية والمحاسبة لا تكفي وحدها لضمان سير المؤسسات بفعالية، المطلوب خطوات رئيسية لتغيير عقلية العمل السائدة:
– اولاً، نحتاج إلى الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة في أساس عمل كل المؤسسات العامة، لتصبح كل المداخيل والمصاريف والقرارات وغيرها منشورة تلقائياً على الانترنت.
– ثانياً، تغيير الإجراءات الإدارية المعتمدة والمهندسة خصيصاً لتسهيل الرشوة والفساد وابتزاز المواطن، وحين نربط الإجراءات بالشفافية تصبح المعاملات الكترونية وواضحة الشروط.
– ثالثاً، إعادة النظر في شروط عمل الموظفين ليتمكنوا من الحصول على عيش كريم، وهي خطوة أساسية لمنع الرشوة. ففي السابق كان هناك تغاضٍ عن تجاوزات الموظفين، لأنّ الحكومات المتعاقبة كانت تعرف انّ معاشات هؤلاء لا تكفيهم لعيش حياة كريمة. ولنستحضر هنا تجربة سنغافورة، حين سُئل لي كوان يو، كيف يمكن لسنغافورة أن تجد موظفين ومسؤولين حكوميين نظيفين وصادقين لإدارة بيئة الأعمال في البلد؟ كان الجواب: «إدفع لهم جيداً»، وفي المقابل وضع سياسة عقاب قاسية لمن يرتكب الفساد.
– رابعاً، تطبيق مبدأ عدم امتهان المنصب. فكيف يبقى مدير عام او رئيس دائرة في منصبه لعشرين او ثلاثين عاماً، هذه التركيبة في حدّ ذاتها هي تشجيع للفساد وتغييب المحاسبة. يجب ان تخضع المناصب للمداورة، وفي لبنان كثير من الكفاءات والخبرات التي ستُعطى فرصة إذا تمّ تطبيق هذا المبدأ.
– خامساً، الإستفادة من الشخصيات التي أثبتت نجاحها في إدارة مؤسسات الدولة ومنحها منصباً في مؤسسات أخرى، بهدف تحقيق النتائج نفسها. مثلاً تجربة النائب اللواء جميل السيد في إدارة المديرية العامة للأمن العام اللبناني والتي حازت على تنويه الامم المتحدة، لماذا لا نسلّمه مثلاً إدارة الضمان؟ وهناك شخصيات اخرى ستحقق نجاحات إذا تمّ استثمار خبراتها في المكان الصحيح.
في اختصار، انّ عملية الاصلاح هي عملية شاملة ومتكاملة، لا تقتصر على مؤسسة واحدة. والأهم انّها تبقى غير فاعلة إذا لم يتمّ إقرار قانون أساسي، وهو قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة (قصة ابريق الزيت.. عساكم تسمعون).