كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
إقترب رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي من الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء هي الأولى منذ أن آلت إليه صلاحيات رئيس الجمهورية ما عدا اللصيقة منها، وذلك بحجة انّ هناك كثيراً من القضايا العالقة التي لا يمكن البت بها سوى في هذه الجلسة. وهو أمر سيفتح «باب جهنم» مجدداً على مجموعة من الفتاوى الدستورية التي لا يمكن التوصل الى تفاهم في شأنها. وعليه، ما هو المتوقع عند هذه الخطوة وتردداتها؟
من الواضح ان كل الخطوات المطلوبة لتنظيم الفراغ وإدارة الشغور بخلو سدة الرئاسة من شاغلها تتقدّم على ما عداها من الخطوات المؤدية الى المراد المطلوب. وإن لم يتم التوصّل الى انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية فإن كل التطورات توحي باستمرار الانحدار الى مزيد مما هو سلبي. وما خلا هذه الطريق الملزمة فإن كل الطرق الأخرى تؤدي الى مزيد من الانهيارات المتوقعة على اكثر من مستوى سياسي ومالي واقتصادي.
على هذه الخلفيات، وفيما كل المساعي التي بذلت حتى اليوم لم تؤد بعد الى انتخاب الرئيس، لصرف النظر عن كل ما يجري، فإنّ كل شيء يوحي بأن حال المراوحة طويلة لمجرد انها ستحيي مزيداً من الخلافات في اكثر من قطاع. وهو ما يعزز المضي في منطق المناكفات والمكائد المتبادلة – إثباتاً لا نقاش فيه – على فشل وعجز المسؤولين في إدارة أي استحقاق بما نَص عليه الدستور من مهل وآليات تاركين لقوى الامر الواقع إدارة بعض الملفات من دون القدرة على معالجة أي منها مهما عظمت نتائجها وتعددت أخطارها.
لم يفكر رئيس الحكومة ومنذ ان دخلت حكومته مدار تصريف الأعمال في 22 ايار الماضي بدعوة مجلس الوزراء الى الاجتماع على رغم من تعدد المحطات التي طرحت فيها هذه الخطوة، سواء من جهة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون او من اي جهة أخرى، بحجّة ان المجلس لا يمكن ان ينعقد وهو في حال تصريف الاعمال. وعلى رغم من السوابق التي أقدم عليها ميقاتي في فترة إدارته لحكومة مماثلة لمدة اقتربت من سنة كاملة ما بين عامي 2013 و2014 فقد أقرّت خلالها مجموعة قوانين خاصة بقطاع النفط، وأجرى وزير الداخلية العميد مروان شربل بقرار لمجلس الوزراء انتخابات بلدية واختيارية عادية وفرعية. وقد جرى ذلك إبّان فترة تكليف الرئيس تمام سلام مهمة تشكيل الحكومة قبل ان تصدر مراسيمها قبَيل نهاية ولاية الرئيس العماد ميشال سليمان بأربعة أشهر تقريباً. ولم يتردد سلام طوال فترة إدارته لمرحلة خلو سدة الرئاسة ما بين 25 أيار 2014 و31 كانون الاول 2016 من ممارسة صلاحيات الرئيس بما يسمح لها به، في ظل استحالة تنفيذ الصلاحيات اللصيقة بالرئيس، والتي لا تحتاجها أي حكومة توَلّت صلاحياته بالوكالة.
وان اجريت المقارنة بين هاتين المرحلتين وما يجري اليوم، ينبري من يقول ان الحكومتين السالفتين كانتا تتمتعان بثقة المجلس النيابي عند ممارسة صلاحياته التشريعية ولا تشبه وضع الحكومة الحالية التي لم تنل ثقة مجلس نيابي جديد انتخب في 15 ايار الماضي ولم يفلح رئيس الحكومة الحالية في تشكيل حكومته الجديدة طوال الفترة الفاصلة بين دخول استقالتها مدارها الطبيعي منذ ان تسلّم المجلس الجديد مهماته التشريعية في 22 ايار الماضي وحتى نهاية ولاية رئيس الجمهورية في 31 تشرين الأول الماضي، وانّ ذلك يشكّل سببا وجيها لحرمانها من ممارسة هذه الصلاحيات.
وعلى رغم من مجموعة الاستشارات والفتاوى القانونية والدستورية التي قالت ان الدستور لم يحدد صفة الحكومة عند تكليفها مهمات الرئيس المفقود، سواء كانت مستقيلة او بكل مواصفاتها الدستورية، فإنّ في إمكانها ممارسة هذه الصلاحيات بالحد الادنى أيّاً كانت الظروف المحيطة بها. وفي رأي هؤلاء ان الدستور يأبى الحديث عن فراغ في أي من المواقع الدستورية، خصوصاً عندما يتصل الأمر برأس السلطة التنفيذية التي باتت تتشكّل من رئيس الجمهورية متى وجد، ومن الحكومة في الحالتين منذ ان أقرّ الدستور الجديد استناداً الى إصلاحات وثيقة الطائف.
وامام هاتين النظريتين لم يتوافر من يحسم الجدل بوجهَيه السياسي من جهة والقانوني والدستوري من جهة ثانية، ولم تستقر الأمور بعد على رغم من انّ توصية المجلس النيابي التي صدرت بعد مناقشة رسالة رئيس الجمهورية الاخيرة قبل ساعات قليلة على نهاية ولايته كانت كفيلة بأن تسمح لميقاتي بجَمع الحكومة على ان يكون وزيراً متقدماً على اعضائها بإدارة الجلسة ووضع جدول اعمالها لا اكثر ولا اقل. وعليه، فإنّ الظروف المتحكمة بالبلد والانقسام الحاصل حول هذه النقطة من ضمن مجموعة نقاط خلافية اخرى. لذلك، فإنّ اي محاولة يقوم بها ميقاتي لدعوة مجلس الوزراء الى الاجتماع يمكن ان تواجَه بمقاطعة وزارية.
وإن بقي «التيار الوطني الحر» ومَن يناصره في اعتبار إصدار رئيس الجمهورية مرسوم قبول استقالة الحكومة كامل المفاعيل الدستورية والقانونية من دون ان يقترن بمرسوم آخر يسمّي الرئيس الجديد للحكومة ولا مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة يمكن ان تواكبها حملة سياسية قد تتسبّب بـ»خَضّة عابرة». وهو امر قد لا يمر مرور الكرام كما يشتهيه التيار وحلفائه ان وجدوا. فكل الاستشارات القانونية باتت جاهزة لتبرير الدعوة الى هذه الجلسة وربما هناك المزيد من الأسباب الموجبة التي تدفعه الى مثل هذه الخطوة مدعوماً من عدد من الكتل النيابية الاخرى.
وعلى هذه القاعدة سيتجدد النقاش الدستوري فور توجيه الدعوة الى الجلسة وربما يسبقها وفي توقيت يَتلاقى متى ثبت التوجّه النهائي لميقاتي كما تُجاهر به أوساطه والمحيطين بالكتل النيابية والوزراء المؤيدين له من تلك التي تشكّل مكونات الحكومة الحالية. فهم جميعاً سيكونون في المرصاد لأي موقف يُناهض الدعوة الى الجلسة من دون احتساب النتائج المترتبة على مثل هذه المواجهة.
ففي مقابل من يحذّر من الخطوة، واستعداد آخرين لمناصرتها، سيفتح باب النقاش حول الجهة التي ستنتصر في المواجهة المقبلة. فإلى التشكيك بوجود عدد كاف من الوزراء يقترب من ثلث أعضاء الحكومة الى جانب من يرفض عقد الجلسة، فإنّ اكثرية الثلثين موجودة ومتوافرة الى جانبها وإن فتحت «أبواب جهنم» مجدداً فإنّ بوادر إقفالها سريعاً امر ممكن ولا يحتاج الى كثير من العناء لإثباته. فمعظم القوى التي كانت تساند رئيس «التيار الوطني الحر» قد تراجعت عن مواقفها في ظل مواقفه الاخيرة من الاستحقاق الرئاسي وقد يُناصره عدد قليل من وزرائه ومعهم وزير الدولة لشؤون المهجرين، ولن يحول ذلك دون انعقاد الجلسة بنصاب قانوني للبت بأمور حياتية وطبية وانمائية لا بد منها. ذلك انّ الاخطر اذا وصلت الحكومة الى استحقاق يتصل بوضع قادة الاجهزة الأمنية والعسكرية وحاكمية مصرف لبنان فعندها قد يكون كلام من طعم ولون آخر. ولعل ما يقوم به البعض يُفضي الى انتخاب رئيس قبل بلوغ أي من هذه الاستحقاقات الداهمة ليكون في ذلك خير للبلد، ونقطة على السطر.