كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
الأرجح أنّ مشهدية التمرّد التي سجّلها وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال جورج بوشكيان من خلال تلبيته دعوة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للمشاركة في الجلسة المثيرة للجدل الدستوري، قد لا تكون الأخيرة التي سيتعّرض لها «تكتّل لبنان القوي» في المرحلة المقبلة، الحافلة بالتحديات والتطورات. لا بل يجوز وصفها بالمفصلية.
لا يختلف اثنان على أنّ الخلاف الذي وقع بين «التيار الوطنيّ الحرّ» و»حزب الله» ازاء جلسة يوم الاثنين الحكومية، تجاوز في أبعاده وخلفياته الإطار الحكومي، حتى لو اشتكى العونيون من فداحة تلك الخطوة في تجاوزها موقع الرئاسة الأولى ودورها… إلى ما هو متصل بالاستحقاق الرئاسي. هناك أصل الصراع وجوهره. فالافتراق بين طرفي «تفاهم مار مخايل»، شقّ طريقه من لحظة تبني «الحزب» ترشيح رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية، وما البقية إلّا تفاصيل ثانوية في المشهد الرئاسي الذي يجنح صوب فرض مزيد من التشققات في بنية التحالف العتيق.
وما الخاتمة التحذيرية التي أنهى بها رئيس «تكتّل لبنان القوي» جبران باسيل مؤتمره الصحافي، الأقسى في «تهديداته» ضدّ حزب الله» إلّا دليل حسيّ على أنّ جلسة ميقاتي هي مجرّد جارة، يراد من خلالها اسماع الكنّة، بعدما لمّح باسيل إلى أنّ التكتل «ما رح يحضر الى مجلس النواب اذا ما لقينا فعلاً ان هناك حاجة وطنية كبرى تتخطانا جميعاً، ونحن سنسعى أكثر وأسرع الى الاقلاع عن خيار الورقة البيضاء ليكون عنا مرشح». وهنا بيت القصيد.
ومع ذلك، فإنّ ردة فعل باسيل كانت متوقّعة من جهة حلفائه، وفق المتابعين، ربطاً بالرسم البياني لسلوكه السياسي، الحافل بردّات الفعل الانفعالية، وآخرها تلك التي سطّرها عشية الانتخابات النيابية، وتحديداً بداية العام الحالي، لدرجة التهديد بأنّ «تفاهم مار مخايل» استنفد نفسه، أو بالأحرى «خدم عسكريّته»، لأنّه «ما منقدر نخسر الدولة كرمال المقاومة»، معترفاً بأنّ النظام السياسي معطّل، فطَرَح اللامركزية الإدارية والماليّة الموسّعة على الطاولة، واقترح الذهاب نحو الإدارات الذاتية بعد فشل كلّ محاولات بناء الدولة المركزية الإصلاحية… وليسارع بعدها ويطوي الصفحة و»لا مين شاف ولا مين دري»، بعدما دعمه «الحزب» بالأصوات الانتخابية لكي يتساوى مع «القوات» في عدد نواب كتلتها.
في الواقع، كلّ المؤشرات تدلّ على أنّ «الحزب» باقٍ على موقفه في دعم فرنجية، لا بل يعدّ العدّة لسيناريوات لم تخطر في باله مع انطلاق السباق إلى قصر بعبدا، وهي انجاز الاستحقاق من دون حليفه العوني من خلال العمل على تأمين أكثرية تسمح بانتخاب فرنجية رئيساً من دون شراكة باسيل، وهو بذلك ينتقل من «الخطّة أ» التي اعتقد لوهلة أولى أنّ باستطاعته تنفيذها ولو احتاجت بعض الوقت لكي تستوي طبخة باسيل، إلى «الخطّة ب» بما تعنيه بقاء الأخير على ضفّة الاعتراض. وهو احتمال لا يفضّله، ولكن قد تضطره الأمور لسلوكه على قاعدة آخر الدواء الكيّ. في المقابل، بات جليّاً أنّ قائد الجيش جوزاف عون هو المرشّح الفعلي للفريق الآخر ولبعض القوى الخارجية التي رفعت من أسهم ترشيحه في بورصة الرئاسة، فيما يبدو أنّ قوى معارضة لا تبدي أي ممانعة في انتخابه اذا ما صار اسمه توافقياً.
فما هي الخيارات المتاحة أمام باسيل؟
رفع رئيس «التكتّل» سقفه إلى حدوده القصوى. قال كلّ ما عنده من اعتراض على أداء حليفه، ووضع «سلاحه» على الطاولة. لوّح إلى امكانية التخلّي عن الورقة البيضاء، فيما سرت أخبار عن احتمال تجيير بضعة أصوات لمصلحة النائب ميشال معوض في إطار ردّ الضربة التي تلقّاها من «حزب الله» ولو أنّ هكذا سيناريو لا يُقرّش في السياسة إلا في إطار النكد والنكايات، ولا يفتح باب التفاهم مع داعمي معوض، وتحديداً «القوات» لاعتبارات استراتيجية، لعل أهمها استحالة ترميم الثقة بين الفريقين، واعتبار تلك الخطة بمثابة طلاق نهائي مع «حزب الله».
ومع ذلك، يقول المعنيون إنّ جلسة اليوم، والأرجح أنّها الأخيرة في هذه السنة، لن تشهد تغييراً نوعياً في سلوك «تكتل لبنان القوي»، وستكون الورقة البيضاء هي الجامع بينه وبقية الحلفاء، كما أبلغ أمس النواب خلال اللقاء الوداعي للمجلس السياسي، فيما ينتظر أن تحدد تطورات الأسابيع المقبلة طبيعة الخطوة الثانية.
ومع ذلك، ثمة ورقة لا يمكن لباسيل الاستثمار فيها أو حتى التهويل باستخدامها، وهي انتزاع البطاقة الحمراء من قوى الثامن من آذار. اذ يؤكد المتابعون أنّ في جيب «حزب الله» وحلفائه أكثر من 43 صوتاً تسمح لهم بفرط النصاب فيما لو قرر باسيل المغامرة والطلب من نواب «التكتل» البقاء في مقاعدهم للانتقال إلى الجلسة الانتخابية الثانية، ذلك لأن «الحزب» يعتبر الأمر بمثابة خطّ أحمر لا يسمح بعبوره، وهو مرتاح لهذا المسار من خلال ضمان وجود 43 نائباً إلى جانبه، من خارج «التكتل» يستطيعون التحكّم بنصاب الجلسة الثانية، فيما لو بدا احتمال انعقادها قائماً.
ومع ذلك، فإنّ التباينات التي بلغت حدّ الخلافات في صفوف «تكتل لبنان القوي» تسمح بالسؤال: بالأساس هل سيلتزم كل نواب «التكتل» بما سيرسمه باسيل؟ وهل سيكون تموضعه السياسي بداية التشققات العلنية؟