كتب سعيد مالك في “الجمهورية”:
في الخامس من كانون الأول، إنعقد مجلس الوزراء بناءً على دعوة إستثنائية من رئيسه، بجدول أعمال إستقرّ على خمسة وعشرين بندًا، بعد أن خُفّض من مئات البنود إلى خمسة وستين، ومن ثم إلى خمسة وعشرين بندًا لا غير.
قامت القيامة، وسجّل المعترضون إعتراضهم، مُعتبرين أوّلاً، أنّه لا يحّق لرئيس حكومة مُستقيلة في ظلّ شغور رئاسي، دعوة مجلس الوزراء للإجتماع إستثنائياً، لأنّ الدعوة الإستثنائية محصورة فقط برئيس الجمهورية بالإتّفاق مع رئيس الحكومة (الفقرة/12/ من المادة/53/ من الدستور) فيما الدستور واضح لهذه الجهة، بمنح صلاحية الدعوة حصرًا برئيس الحكومة (الفقرة/6/ من المادة/64/ من الدستور) وبالتالي، أصاب رئيس الحكومة بالدعوة ولم يُخالف الدستور.
أثار المعترضون بعدها مسألة إمكانية دعوة حكومة مُستقيلة للإجتماع، خصوصاً في ظلّ شغور رئاسي….كذا…. . مُعتبرين أنّ حكومة تصريف أعمال، مُحظّرٌ عليها الإجتماع، كونها قد فقدت ثقة مجلس النواب، لا سيما مع شغور رئاسي. علماً، أنّ الدستور لم يمنع على حكومة تصريف أعمال أن تجتمع، خصوصاً إذا واجهتها أزمات، لا بل ألزَمَها أن تجتمع، إذا كانت هناك ظروف إستثنائية أو أمور خطيرة أم مُلّحة أو طارئة، تتطلّب إتّخاذ قرارات عاجلة وتدابير مستعجلة تستدعي إنعقاد مجلس الوزراء. وعدم الدعوة إلى الإجتماع يُرتّب على رئيس الحكومة والوزراء مسؤولية جزائية ودستورية (المادة/70/ من الدستور) بجرم الإخلال بالواجبات المُترتّبة عليهم.
علماً، أنّه وبالإطّلاع على جدول الأعمال، يتبيّن جليّاً أنّه كان يتضمّن باقة من البنود المُلحّة والطارئة، إضافةً إلى رزمة من البنود التي صار حشوها، من دون أن تكون لا طارئة ولا مُلحّة. مما أثار عاصفة، كان روّادها على حقّ بها. بحيث كان يقتضي على رئيس الحكومة (في رأينا)، وقبل نشر جدول الأعمال، ولمزيدٍ من الشفافية، عرض هذا الجدول على هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل، لإبداء الرأي بالبنود المطروحة، لِبيان ما إذا كانت تُشكّل بنودًا طارئة ومُلحّة أم لا، وما إذا كان يستدعي أمر إقرارها عقد جلسة لمجلس الوزراء، أم في الإمكان الاستعاضة عن ذلك بتدابير أُخرى. علماً، أنّ رأي هيئة التشريع والإستشارات غير مُلزِم، ولا يُقيّد رئيس الحكومة على الإطلاق.
مع الإشارة، إلى أنّه عام/2013/ وحين كان الرئيس ميقاتي رئيساً لحكومة مستقيلة، واجهته مشكلة آلية إصدار مراسيم في مجلس الوزراء، إنجازًا للإنتخابات النيابية العامة والتي كانت مُقرّرة في العام نفسه (مرسوم رصد الإعتمادات، تأليف هيئة الإشراف، تحديد القسم المتحرّك الذي يجوز للمرشّح إنفاقه) فتوجّه إلى هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل طالباً الرأي، حيث خلصت هيئة التشريع والإستشارات في رأيها، إلى أنّ الضرورة متوافرة والعجلة مُتحقّقة، وبالتالي يمكن للحكومة المستقيلة أن تجتمع لاتخاذ ما يلزم من قرارات….كذا…. (رقم الأساس 363 /2013 رقم الإستشارة 475 /2013 تاريخ 23/5/2013). وبالفعل إجتمعت الحكومة دون أن يُحرّك أي فريق ساكناً، لا سيما وأنّ الدعوة جاءت بغطاء إستشاري من هيئة التشريع في وزارة العدل.
أمّا وقد انعقدت الجلسة، وصدرت المُقرّرات، كان لا بُدّ من إصدار المراسيم لترجمة هذه المُقرّرات ونشرها.
صدرت المراسيم مُذيّلة بتواقيع رئيس مجلس الوزراء والوزير أو الوزراء المختّصين، فقط لا غير، دون أن يوقّعها جميع الوزراء.
إنتفض المعترضون، مُعتبرين أنّ في ذلك إنتقاصاً من صلاحيات رئيس الجمهورية…كذا… .
فيما الواقع، فإنّ الإجتهاد الإداري إستقرّ ومنذ نيّف وعقدين من الزمن، أنّ المراسيم والتي تصدر عن مجلس الوزراء المُناطة به مؤقّتاً صلاحيات رئيس الجمهورية، يجب أن تصدر بعد موافقة مجلس الوزراء مُجتمعاً بنِصاب دستوري. وأن تحمل إضافة إلى توقيع رئيس مجلس الوزراء، توقيع الوزير المختّص أو الوزراء المختصّين، كما لو كان صادرًا عن رئيس الجمهورية، عملاً بأحكام المادة/54/ من الدستور.
– مجلس شورى الدولة قرار رقم 74/95 تاريخ 16/11/1995.
– مجلس شورى الدولة قرار رقم 522/96 تاريخ 8/5/1996.
– مجلس شورى الدولة قرار رقم 138/96 تاريخ 11/12/1996.
– مجلس شورى الدولة قرار رقم 70/97 تاريخ 3/11/1997.
– قرار مجلس القضايا رقم 164/96 تاريخ 9/12/1996.
وبالتالي، المراسيم التي صدرت، والتي ذُيّلت بتوقيع الرئيس ميقاتي والوزراء المختّصين، جاءت في موقعها الدستوري الصحيح. أما الكلام أنّ الرئيس تمّام سلام كان يعتمد توقيع كافة الوزراء على المراسيم لا يستقيم، كون هذا السلوك كان بهدف تعميق التوافق ولو على حساب النصوص، وكان مُجافياً للدستور، ولا يُمكن الإعتداد به.
لكن المُلاحظة الأساس، إنّ الرئيس ميقاتي أخطأ في إخراج المراسيم، حيث دوّن تحت الخانة المُخصّصة لتوقيع رئيس الجمهورية «رئيس مجلس الوزراء»، فيما كان يُفترض عليه أن يدوّن «مجلس الوزراء». لأنّ مَن تُناط به صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً في حال خلوّ سدّة الرئاسة هو «مجلس الوزراء» وليس «رئيس مجلس الوزراء». والإثبات على ذلك، انّ كافة المراسيم والتي صدرت أثناء ولاية الرئيس تمام سلام، ذُيّلت بعبارة «صدر عن مجلس الوزراء» في الخانة المُخصّصة لرئيس الجمهورية وليس «رئيس مجلس الوزراء».
وفي الخُلاصة، أصاب رئيس الحكومة في دعوة الحكومة المستقيلة الى الإجتماع. حيث من الثابت أنّ لديه النيّة لتكرار الدعوة في حال إضطرّته الظروف إلى ذلك. مُسدين النُصح له، بالرّجوع إلى هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل قبل تحديد جدول الأعمال من جهة، ومن جهة أُخرى تعديل عنونة الخانة المُخصّصة لرئيس الدولة، بِجعلها «مجلس الوزراء» عوض «رئيس مجلس الوزراء» على المراسيم والتي يُمكن أن تصدر مُستقبلاً.
كل ذلك، تفادياً لأي مُنازعات أم نزاعات أم إشكالات أم مُزايدات، معروفة المصدر والمَنشأ، ومكشوفة الأهداف والمرامي.