IMLebanon

عامان على انفجار مرفأ بيروت: العدالة المفقودة!

جاء في “المدن”:

تصدّر ملف انفجار مرفأ بيروت “المشهد القضائي” في عام 2022. وتحوّل الملف إلى مسلسل طويل من الدعاوى والإجراءات القانونية التي عطلت التحقيق وعرقلته وغيّبت عنه العدالة. عامٌ كامل عُلّق وجُمّد فيه الملف وحُرّف التحقيق عن مجراه نتيجة لمسار الصراعات السياسية والقضائية.

بدايةً، توقف التحقيق في قضية انفجار المرفأ في كانون الأول 2021، أتى ذلك نتيجة طلبات الرد التي وُجّهت ضد القاضي طارق البيطار، وتوقّف عن النظر في الملف. وعام 2022 بدأ مسلسل طلبات الرد الذي اعتمدته القوى السياسية لعرقلة التحقيق.

ويمكن اختصار التحقيق عام 2022 على النحو الآتي: أُحيل ملف البت والنظر بطلبات الرد المقدمة ضد البيطار إلى القاضي جان عيد، فكفت يده عن النظر في طلب الرد بفعل طلب رد قُدم ضده من الوزير السابق غازي زعيتر، أسقطته لاحقاً القاضية رولا المصري. فعاد عيد إلى النظر في طلب الرد المقدم ضد البيطار، فكفت يده نهائياً عن الملف بعد تبلغه بدعوى مداعاة الدولة. بتت محكمة التمييز بتنحي القاضي عيد لتكلّف القاضي جان مارك عويس، فكفت يد الأخير بعد تقدم النائب علي حسن خليل والوزير السابق غازي زعيتر بدعوى مخاصمة الدولة ضد عويس.

من الممكن اعتبار عام 2022 بأنه عام الاحتجاجات والتحركات الشعبية أيضاً. ففي الرابع من بداية كل شهر، حافظ أهالي الضحايا على وقفتهم الاحتجاجيّة أمام تمثال المغترب، مطالبين عودة القاضي البيطار إلى تحقيقاته. فيما شهد محيط قصر العدل احتجاجات أسبوعية لأهالي الضحايا وأهالي الموقوفين، كل على حدة، تزامناً مع انعقاد جلسات مجلس القضاء الأعلى لمناقشة التشكيلات القضائية ومتابعة ملف المرفأ. كما تجددت لقاءاتهم بشكل شبه شهري مع القاضي سهيل عبود ومع مكتب الإدعاء في نقابة المحامين، لمتابعة القضية من دون كلل أو ملل، وتوجهوا نحو القضاء الدولي.

فيما لجأ أهالي الموقوفين خلال هذا العام إلى التجمع مع جهات سياسية فاعلة بشكل أسبوعي، أبرزها التيار الوطني الحرّ، للمطالبة بالإفراج عن أبنائهم الذين أعلنوا الإضراب عن الطعام.

لم تتردد القوى السياسية طوال عام 2022 عن ممارسة ضغوطها على القضاء لتمييع القضية، وتمثلت بـ”زيارات” لرئيس مجلس القضاء الأعلى، سهيل عبود، في قصر العدل.

واختار الثنائي الشيعي تعطيل العدالة بالقانون، معتمداً سياسة دعاوى مخاصمة الدولة، وهي المادة 751 من أصول المحاكمات المدنية. فيما تمثلت ضغوط التيار الوطني الحر السياسية والشعبية -قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون- على مجلس القضاء الأعلى، من أجل تعيين محقق عدلي رديف، بهدف إطلاق سراح مدير عام الجمارك اللبنانية بدري ضاهر، وباقي الموقوفين. الأمر الذي أدى إلى مواجهة شرسة بين أهالي الضحايا وأهالي الموقوفين، أمام مدخل قصر العدل، ليتدخل الجيش اللبناني ومكافحة الشغب للفصل بين التجمّعين، ومنعهما من التصادم بين بعضهما البعض.

شهد عام 2022 جلسات عدة لمجلس القضاء الأعلى لتعيين المحقق العدلي الرديف. حاول حينها وزير العدل هنري خوري اختيار القاضية سمرندا نصار، فتم التداول بإسمها مراراً وتكراراً، ليعلن رئيس الجمهورية السابق، ميشال عون، في 31 تشرين الأول أن سمرندا نصار هي الخيار الأنسب.

عملياً، دخل ملف المرفأ حالة الموت السريري بعدما وصل عدد دعاوى مخاصمة الدولة ضد القاضي البيطار عام 2022 إلى أكثر من 42 دعوى، واعتُبرت سابقة في تاريخ القضاء. الأمر الذي منعه من الإدلاء بأي موقف وعطّل التحقيق عاماً كاملاً. وبالرغم من وعود القاضي عبود بإعادة البيطار خلال فترة لا تتعدى الأسبوعين، وبإيجاد مخرج قانوني ودستوري لحل هذا الملف، إلا أن كل هذه الوعود لم تبصر النور أبداً.

حاول المتضررون خلال عام 2022 الضغط على الدولة اللبنانية ومؤسساتها، للمطالبة بمساعدتهم في مرحلة علاجهم، فشاركوا عدة مرات في الوقفات الاحتجاجية لأهالي الضحايا، إلى جانب مشاركتهم في مؤتمرات متنوعة داعمةً لحقوقهم. سيما أن لجنة أهالي الضحايا كانت قد أعلنت عن 6 ضحايا جدد خلال هذا العام. هم: رامي فواز، جوليا عودة، جورج حداد، عبدالرحمن بشيناتي، جورج جوني، وريتا حرديني.

يمكننا أن نطلق عدة تسميات على قضية المرفأ خلال 2022، فهو عام التعطيل والمراوغة، عام الهرطقة القانونية، عام الكيديات السياسية، عام المعارك القضائية، وعام العدالة المفقودة. فبالرغم من كل المساعي لإيجاد المخارج الدستورية والقانونية لحل هذا الملف، إلا أن التحقيق في حالة الموت السريري منذ عام 2021.

من الممكن أن نشهد في بداية العام المقبل حلحلة قريبة في هذا الملف، كأن تُحل قضية التشكيلات القضائية مثلاً، أو أن يعود القاضي البيطار إلى مكتبه لمتابعة التحقيقات، وربما، سيستمر التعطيل إلى أجل غير مسمى.