جاء في “الشرق الأوسط”:
«أراضي البلدة وأملاكها وأرزاقها تتعرّض لاستباحة وتعديات وتهديد لبعض المالكين من قبل قوى الأمر الواقع في المنطقة»، بهذه العبارات ذيّل أهالي رميش في جنوب لبنان بيانهم اعتراضاً على تعدّيات «حزب الله» على أملاكهم وأراضيهم، قبل أن يرتفع صوت المسؤولين في لبنان، وفي مقدمهم البطريرك الماروني بشارة الراعي؛ اعتراضاً على تلك التعديات المتكررة.
وانتقلت الأزمة أخيراً إلى وسائل الإعلام، عندما كان أحد شبان بلدة رميش من آل عبدوش موجوداً في أرضه، ويقوم بـ«التحطيب»، فتدخّل أفراد من «حزب الله» وصادروا الحطب، ونقلوه إلى مركزهم الذي يحمل اسم جمعية «أخضر بلا حدود»، وهي جمعية عنوانها بيئي، لكن الولايات المتحدة صنفتها إرهابية وتتهمها إسرائيل بالقيام بأنشطة أمنية لصالح الحزب.
وأعلن أهالي رميش في بيان أن «أراضي البلدة وأملاكها وأرزاقها تتعرّض لاستباحة وتعديات وتهديد لبعض المالكين من قبل قوى الأمر الواقع في المنطقة؛ إذ تقوم هذه القوى بجرف مساحات واسعة من الأراضي واقتلاع أشجار وعمل إنشاءات، واستعمال معدات ثقيلة للحفر في أحراش تعود ملكيتها لأهالي رميش». وأشاروا إلى أن «هذه الأعمال تجري وسط اعتراض وسخط كبيرين من الأهالي».
وليس التعدّي على «سموخيا» -إحدى المزارع المتاخمة والتّابعة لبلدة رميش (جنوب لبنان)- هو الأوّل من نوعه في البلدة، فقد سبقت ذلك تعدّيات مماثلة ومن الجهة نفسها في منطقة «قطمون» قبل ستّ سنوات؛ إذ أقامت جمعيّة «أخضر بلا حدود» مركزاً تابعاً لها، ومنعت أهالي البلدة من التوجّه إلى أراضيهم.
انزلقت الأزمة إلى مستويات خطيرة، وصلت تردداتها إلى البطريركية المارونية التي دعت الدولة للتدخل، في مؤشر على تحول الأزمة إلى أزمة طائفية، ما دعا «حزب الله» لإصدار بيان تحدث فيه عن اتصال هاتفي بين مسؤول منطقة جبل عامل الأولى في الحزب عبد الله ناصر، ومنسق «التيار الوطني الحر» المتحالف مع الحزب في منطقة الجنوب وسام العميل، حيث أكد الطرفان أن «ما حصل في رميش جرى حلّه مباشرة، ولا يوجد أي تداعيات لتلك الإشكالية».
واستكمل الحزب محاولة تطويق الأزمة بزيارة من قيادته إلى البلدة، حيث «جرى نقاش وحوار حول اللغط الإعلامي الذي حصل مؤخراً حول عمل جمعية «أخضر بلا حدود»، واعتُبر الأمر في بيان صدر بعد اللقاء مع فعاليات في البلدة، «إشكالية وليس مشكلة، وقد جرى حلّها مباشرة».
ونفى مختار رميش إيلي شوفاني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، ما يشاع عن قيام أهالي رميش بقطع الأشجار. وقال: «جمعية (أخضر بلا حدود) قامت بقطع الأشجار، وشقّ الطرقات، ونصب خيمة، وإنشاء (بركة) وتغطيتها بـ(نايلون أسود) لا نعرف الهدف منها حتى اللحظة».
وبدا أن الأزمة جرى علاجها باتصالات موضعية بين الطرفين، من غير أن تختفي ذيولها بالكامل، على ضوء إجراءات يتخذها الحزب في المنطقة، في وقت نبه حزب «القوات اللبنانية» إلى «خطورة ما يجري»، محذراً من «تداعياته وعواقبه؛ لأن التمادي في التعدّي على خرق حقوق الملكية الخاصة قد يولّد ردود فعل غير محسوبة ولا متوقّعة».
ورجّح شوفاني أن يكون ما يقوم به «حزب الله» بهدف حماية الحدود ليس أكثر، بحسب رأيه. إلا أنه لم ينفِ أن ما يقوم به الحزب يقع في إطار «فرض أمر واقع في البلدة، لكن نحن نخاف من حصول تلاسن يتطوّر إلى سقوط دم، هذا ما نحاول تجنّبه».
وروى لـ«الشرق الأوسط» أنه «منذ خمس إلى ست سنوات حدثت المشكلة عينها في منطقة (قطمون) الحدودية أيضاً، وبنى الحزب مركزاً صغيراً له ولا يزال فيه حتى اليوم، على الرغم من عدم موافقة أصحاب العقارات، لكننا نترك الأمر بيد الدولة اللبنانية لمعالجة هذا الموضوع؛ تجنّباً للإشكالات فنحن لا نريد العودة إلى أيام الحرب الأهلية».
ولا تخفي الأزمة الأخيرة عمق المشكلة الواقعة في المنطقة الحدودية التي سلطت الضوء على مخاوف مسيحية في تلك المنطقة، عبّر عنها البطريرك الراعي في تصريح له أخيراً، قال فيه إن «ما تتعرّض له أراضي رميش من قبل قوى الأمر الواقع وعناصر غريبة عن البلدة مؤسف»، ودعا إلى «وقف التعديات التي تسيء إلى العيش المشترك».
وقال نائب رئيس بلدية رميش سمير عبدوش، رداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، إن «التعديات على الأراضي الخاصة تحصل من قبل (حزب الله) الذي يعمل تحت غطاء (بيئي) من خلال جمعية (أخضر بلا حدود)، لأنها بالنهاية معروفة بأنها تابعة للحزب».
وأضاف: «النزاع تم حلّه من خلال زيارة وفد «حزب الله» لرميش، حيث اعترفوا بوجود إشكالية بشأن العقارات التي تم الاستيلاء عليها، واعترفوا أن تلك الأراضي تعود ملكيتها لأهالي البلدة وتعهّدوا بإخلائها»، مشيراً إلى اتفاق مع الحزب. وأوضح: «الاتفاق الذي حصل مع حزب الله ينص على الانسحاب من جميع الأراضي التي جرى التعدّي عليها، ولقد تمت إزالة الخيمة المنصوبة، وتعهّدوا بأن يعود كل عقار لصاحبه». أما بخصوص بركة الماء «فقالوا لصاحب العقار أنت صاحب الأرض، ويمكنك الاستفادة منها أو طمرها لا مشكلة لدينا، فقرر طمرها»، لافتاً إلى أن «هناك التزاماً بهذا الاتفاق حتى اللحظة ولم يسجّل أي خرق للاتفاقية».
بالنسبة لعبدوش، المشكلة انتهت مبدئياً، فقد «بدأ تنفيذ ما اتُفق عليه، وأصحاب العقارات يتوجّهون بشكل يومي إلى أراضيهم من دون أن يتم التعرّض لهم أو وقوع أي إشكالية معهم». ولفت إلى «أننا تلقّينا وعداً من وفد «حزب الله» بعدم تكرار ما حصل، وأكثر من ذلك اعتذروا عن الحادثة. لكن تبقى العبرة في التطبيق وعدم تكرار الاعتداءات».
غير أن نهاية الأزمة لا يعني أن المخاوف انتهت. يقول عضو تكتل «الجمهورية» النائب بيار بو عاصي: «هناك قلق كبير مما يحصل في رميش»، مضيفاً: «مقاربتي لا تحصل فقط في الجانب المسيحي، ورميش بلدة مسيحية في الجنوب، ولكن من الجانب الوطني والسياسي والسيادي، ما يحصل خطير جداً؛ لأن هناك مجموعة تسمّى (حزب الله) لديها ذراع عملانية على الأرض اسمها جمعية (أخضر بلا حدود) تخلق مشاكل في كل مناطق الجنوب اللبناني (جنوب الليطاني تحديداً)؛ إن كان مع منطق وسيادة الدولة أو مع دور الأمم المتحدة (اليونيفيل) في الجنوب».
ويضيف: «لكن الاعتداءات هذه المرة طالت المقدّسات وهي الملكية إن كانت تابعة لبلدية أو لأشخاص»، مشدداً على أن «استباحة أموال وأراضي الناس تحت أي ذريعة أمر مرفوض بشكل مطلق. ولا بدّ لنا كقوى سياسية، إن كانت المسألة طالت رميش أو غيرها، من أن نرفض هذه الممارسات وندعو للمرة الألف للاحتكام لمنطق القانون والدستور الذي يحمي الملكيات الفردية والأملاك العامة».