كتب خضر حسان في “المدن”:
اختُتِمَ شهر كانون الأول 2022، على استمرار العتمة شبه الشاملة، مع أنّ العامَ كان حافلاً بالمحطّات التي وعدت خلالها وزارة الطاقة بتأمين تغذية بين 8 إلى 10 ساعات، على الأقل. فكيف كان واقع قطاع الكهرباء خلال هذا العام؟
الكهرباء الأردنية
عوَّلَت وزارة الطاقة، على القرض المنتظَر من البنك الدولي لتمويل استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر، لرفع معدّل التغذية الكهربائية. وفي شهر كانون الثاني 2022، وقَّعَ لبنان مع الأردن عقد استجرار 250 ميغاواط من الكهرباء، ووقَّعَ اتفاقية عبورها من سوريا. وأكّد وزير الطاقة الأردني صالح الخرابشة أن الأردن سيصدّر الكهرباء إلى لبنان “في آذار، بعد الانتهاء من اتفاق تمويل مع البنك الدولي”. أما توقيع عقد استجرار الغاز، فتأخَّر بضعة أشهر.
الخطة الثلاثية
بإنتظار التمويل الخارجي وبدء الاستجرار، كان على الوزارة اتخاذ خطوة داخلية. فأعلن وزير الطاقة وليد فيّاض، في شباط، خطّة تُطَبَّق خلال 3 سنوات. في العام 2022، وحسب الخطة، تعتمد مؤسسة كهرباء لبنان على الفيول العراقي فقط لتشغيل المعامل والحصول على 3 ساعات تغذية. في العام 2023، تبدأ المؤسسة، بتحقيق الاستدامة المالية والخروج من تحت المياه الغارقة فيها. في العام 2024، تحقّق المؤسسة فائضاً في إيراداتها.
وبنهاية الخطة، تحقّق المؤسسة وفراً مالياً ويعتمد المواطنون على كهربائها بشكل أساسي، ويقلّصون اعتمادهم على المولّدات الخاصة التي ستصبح فاتورتها، حسب فيّاض، نحو 500 ألف ليرة بدل نحو 2 مليون ليرة شهرياً.
البنك الدولي لا يثق
ماطَلَ لبنان في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة من قِبَل البنك الدولي، كشرط لتمويل استجرار الكهرباء والغاز. فانقضى شهر آذار ولم يرَ لبنان الكهرباء الأردنية. وبفعل تأخُّر الإصلاح، زادت شكوك البنك الذي طلب في شهر أيّار، إجراء دراسة جدوى سياسية، مرتبطة بمشروع التمويل، وذلك للتأكُّد ممّا “إذا تحرَّرَ قطاع الكهرباء من النفوذ السياسي، ولن يُستَعمَلَ القرض لتأمين التمويل السياسي، لأن الشقّ السياسي هو الذي قضى على القطاع ويمنع إجراء الاصلاحات الفعلية فيه”. وفق ما أكّدته مصادر إدارية سابقة في كهرباء لبنان. وأتى هذا الطلب بعد عدم التزام المؤسسة بمطلب البنك حول نشر حجم جبايتها الشهرية، التماساً للوضوح والشفافية المالية.
ومع أن البنك لم يُموِّل استجرار الكهرباء، وَقَّعَ لبنان في حزيران، اتفاقاً مع مصر لتوريد 650 مليون متر مكعب من الغاز سنوياً، بهدف إنتاج 400 ميغاواط. وبقي فيّاض يستعجل التمويل، إلى جانب موافقة الإدارة الأميركية على تحييد عملية مرور الكهرباء والغاز عبر سوريا، من عقوبات قانون قيصر.
توريد زيت الوقود العراقي
خلال العام 2022، كان المصدر الأساس لفيول المعامل، هو العقد الموقَّع في العام 2021، لتوريد مليون طن من زيت الوقود العراقي، يستبدله لبنان بفيول صالح للمعامل. لكن اللبنانيين لم يلحظوا الكهرباء، لأن حجم الانتاج كان يكفي لضمان عدم إطفاء المعامل، فضلاً عن إنتاج عدد ساعات ضئيل يوَزَّع بالاستنسابية بين بعض المناطق، وأيضاً حسب النفوذ السياسي.
وللإبقاء على هذا الوضع، طلب لبنان تجديد العقد، إلاّ أن مخاوف المسؤولين العراقيين كان تتزايد مع ارتفاع مؤشرات عدم قدرة لبنان على سداد كلفة زيت الوقود، بالسلع والخدمات كما نصّ العقد.
ومع ذلك، جرى تجديد العقد في تموز 2022. إلاّ أن وزير المال العراقي علي علاوي، عبَّرَ عن حاجة الحكومة العراقية للضوابط “لتستطيع بموجبها أن تقوم بإدارة المخاطر المالية التي تترتب على الاتفاقية، من ضمنها سعر الصرف والتأخير عن الدفع”.
محاولة أخيرة
قَفَزَت وزارة الطاقة فوق الخطوات المفترض إتمامها لتحسين واقع القطاع. وبَدَل تنفيذ الإصلاحات قبل زيادة التعرفة لرفد صندوق مؤسسة الكهرباء بالتمويل الإضافي، سمحت الوزارة للمؤسسة برفع التعرفة. فقرّرت المؤسسة رفع تعرفة الكيلوات إلى 10 سنت لأوّل كيلواط ساعة، و27 سنتاً لكل كيلواط يزيد عن الـ100. واشترطت لاعتماد هذه الأسعار، أن تسدّد كل الإدارات والمؤسسات العامة، فواتيرها المتأخّرة، وتسدّد الدولة كلفة شراء الفيول العراقي. وفي حال عدم تنفيذ هذين الشرطين، تصبح التعرفة 37 سنتاً. أما الرسوم الثابتة، فترتفع بنسبة 30 بالمئة مقارنة بما كانت عليه قبل الأزمة المالية. علماً أن وزارة الطاقة أكّدت مراراً أن لا رفع للتعرفة قبل زيادة ساعات التغذية.
وفي معرض الإصلاحات المزعومة، دعت وزارة الطاقة، في تشرين الثاني، حَمَلة المؤهلات إلى تقديم طلبات الترشّح لعضوية الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، وستقيّمها لجنةٌ يعيّنها وزير الطاقة. مع أن قانون تنظيم القطاع، والذي ينص على تشكيل الهيئة، صدر في العام 2002 تحت رقم 462، ولم يُطَبَّق. ويُعتَبَر تعيين الهيئة، إلى جانب تعيين مجلس إدارة لمؤسسة الكهرباء، من أبرز البنود الإصلاحية.
نهاية العام 2022
طوى شهر كانون الأول أيامه على آمالٍ بالحصول على تمويل البنك الدولي في العام 2023. وبذلك، لا يبقى للبنان سوى زيت الوقود العراقي. وأكّدت مصادر في إدارة منشآت النفط، في حديث لـ”المدن” أن الملف يسير بشكل طبيعي. وتم إطلاق مناقصة لتبديل الشحنة الأولى من زيت الوقود بالفيول الملائم. وتزداد الطمأنينة بالنسبة للوزارة، مع مساعي المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، لضمان عدم عرقلة تنفيذ العقد الجديد مع العراق، خلافاً لما حصل أثناء تنفيذ العقد الأوّل.
ولمزيد من الإيجابية، من وجهة نظر الوزارة ومؤسسة الكهرباء، وافق مصرف لبنان على بيع الدولارات للمؤسسة بسعر منصة صيرفة، في الأول من كل شهر، وبزيادة 20 في المئة، وذلك بعد إيداع المؤسسة صناديق المركزي، قيمة المبلغ المطلوب بالليرة اللبنانية. وهذا الأمر سيوفّر الدولارات للمؤسسة لشراء الفيول.
والأمل بتوفير الليرات لشراء الدولارات، يفترض الضغط على شركات مقدّمي الخدمات التي تتعاقد معها المؤسسة، لتحويل أموال جبايتها يومياً، كما ينص العقد. لكن لا ضمانات على ذلك. فالشركات تواصل احتجاز الأموال في حساباتها الخاصة وتقنِّن تحويلها، مستندة إلى غطاء سياسي وحماية الوزارة والمؤسسة. في حين تطالب نقابة عمال ومستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان، بـ”فتح ملفّ هذه الشركات، لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود”. وبالنسبة للنقابة، فإن “شركات مقدمي الخدمات والداعمين لها هم السبب بما آلت إليه الأمور في مؤسسة كهرباء لبنان”.