IMLebanon

لماذا تريّث باسيل بالترشيح؟

كتب شارل جبور في “الجمهورية”: 

تقصّد النائب جبران باسيل تضخيم اجتماع تكتله النيابي مطلع الأسبوع بأنه كان يتجه لتبنّي أحد الترشيحات الرئاسية، والذي، لو حصل، لشَكّل رسالة لـ«حزب الله» بأنه ماض في تَمايزه الرئاسي حتى القطيعة وانفراط التفاهم، ولكنه فضّل إبقاء التمايز ضمن حدوده الحالية حتى إشعار آخر.

ما زال الخلاف الرئاسي بين «حزب الله» وباسيل بطبقة واحدة وهي رفضه تبنّي مرشّح الحزب الرئاسي، ولم ينتقل بعد إلى الطبقة الثانية وهي إعلان مرشحه الرئاسي في رسالة مفادها بأنّ العودة إلى الوراء غير ممكنة، والتفاهم الرئاسي غير وارد، ولكن من الواضح انه ما زال يحفظ خط الرجعة على رغم انّ حليفه لم يحفظ خط الرجعة معه وتراجع عن جوهر التفاهم بينهما بأن يكون مفتاح رئاسة الجمهورية بيده وليس بيد الحزب الذي حسم موقفه الرئاسي من دون العودة إلى هذا الحليف الذي كان قد «طَبَل» آذان اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً بأنّ الحزب مؤمن بالشراكة ولا يتجاوز شريكه في كل ما يتصل بالمواقع المسيحية، ولكنه في الواقع تجاوزه ولم يسأل عنه ربطاً بأولوياته التي لا يتوقّف فيها عند أحد.

ويبدو انّ النائب باسيل لا يريد أن يكسر الجرّة مع «حزب الله» لثلاثة أسباب أساسية:

السبب الأول، لافتقاده إلى أي حليف سياسي وازِن يستطيع الاتّكاء عليه، ومعلوم ان اتكاء «التيار الوطني الحر» على «حزب الله» عزّز وضعيته السلطوية وصولاً إلى حجزه موقع رئاسة الجمهورية، وهذا لا يعني انّ الحزب لم يستفد من جهته من هذه العلاقة التي أخرجته من الفيتو الشيعي إلى الثلث المعطّل والأكثرية لاحقاً، كما استفاد بتعزيز وضعيته الوطنية بتحالفات وازنة عابرة لبيئته المذهبية هو بأمسّ الحاجة إليها ليقول إنّ سلاحه يحظى بغطاء أبعد من هذه البيئة.

السبب الثاني، لأنّ أحد أهداف تلويحه بالافتراق عن «حزب الله» استدراج عروض داخلية وخارجية تبدأ من الرياض ولا تنتهي في واشنطن، ويبدو ان هذا الاستدراج لم يفعل فعله.

السبب الثالث، لأنّ كلفة افتراقه النهائي عن «حزب الله» في ظل غياب البدائل ستكون أكبر من إبقاء العلاقة ضمن حدود التمايز الرئاسي كونه يخشى ان يحرِّر الحزب من اي التزام معه رئاسياً وحكومياً.

وعلى رغم إدراك باسيل انّ تبنّيه لترشيح معيّن هو مجرّد رسالة وغير قابلة للترجمة، فإنه فضّل التريّث في توجيه هذه الرسالة التي تعني أولاً انه قرّر قطع خطوط العلاقة نهائياً مع الحزب، وتعني ثانياً إسقاط المرشّح الرئاسي للأخير من داخل البيت الممانع لا من خارجه، الأمر الذي يعني انّ الضرر الذي لحق بالحزب جاء من حليفه لا أخصامه، وهذا ما لا قدرة لباسيل على تَحمُّل انعكاساته.

ومن هذا المنطلق فضّل الإبقاء على الخلاف ضمن حدود رفضه لترشيح النائب السابق سليمان فرنجية وعدم الانتقال إلى مرحلة الترشيح الذي يعني إقفال باب التفاوض المشترك في ظل رهان متبادل: رهان الحزب بأنّ باسيل سيجد ان لا مفرّ أمامه سوى السير بفرنجية، ورهان باسيل بأنّ الحزب سيجد ان لا خيار أمامه سوى إعادة الورقة الرئاسية إلى شريكه في تفاهم مار مخايل.

والخطوات الكبرى غالباً ما تتطلّب الجرأة السياسية ومن دون إخضاعها لحسابات الربح والخسارة، ومن الواضح انّ هذه الجرأة غير موجودة، خصوصاً انّ باستطاعة باسيل ان يقول 4 جمَل للحزب:

– الجملة الأولى: جوهر التفاهم بيني وبينك قائم على معادلة تفهّم مبررات السلاح وتغطيته مقابل الاستحواذ على المواقع المسيحية الأساسية في السلطة، وفي طليعتها رئاسة الجمهورية.

– الثانية: من حقّك التمسّك بتحالفاتك مع شخصيات مسيحية، لكنّ الكلمة الفصل في المواقع الأساسية تعود للتيار بسبب حيثيته الشعبية وحجمه النيابي ودوره الحيوي، وهذه العناصر لا تقارن مع أي شخصية مسيحية أخرى.

– الثالثة: إنتقل العماد ميشال عون من ضفة 14 آذار إلى ضفة الحزب بسبب رفض الضفة الأولى تبنّي ترشيحه الرئاسي.

– الرابعة: الكلفة التي دفعها التيار من رصيده الشعبي وعلاقاته مع الخارج بفِعل التحالف مع الحزب باهظة جداً، وبدلاً من ان تكون هذه الكلفة محط تقدير وتعويض تحوّلت إلى مزيد من العزلة والاقتصاص.

لكنّ التيار الذي غادر خطه السياسي في 6 شباط 2006 والذي كان قد راكَمَ كل شعبيته بسبب رفعه شعارات السيادة والاستقلال والدولة ومواجهة الميليشيات، لم يأبه لهذا الانقلاب على توجهه الأساسي طالما انه غير قادر على تسييله رئاسياً، وبالتالي لماذا لا يفكّ تحالفه مع «حزب الله» طالما انه لم يعد قادراً على ترجمته رئاسياً، فضلاً عن انّ استمراره في هذا التحالف يؤدي إلى مزيد من إضعافه شعبياً وتضييق الحصار عليه دولياً؟

وفي الإجابة، يمكن التوقّف أمام ثلاثة أسباب:

– السبب الأول: كَون البديل عن الخط السيادي الذي لا يفتح أمامه طريق القصر الجمهوري كان مُتاحاً، وعندما وجد انّ حظوظه الرئاسية ضئيلة في الخط السيادي لم يتردّد في الانتقال إلى الخط النقيض سياسياً، فيما البديل عن «حزب الله» الذي يفتح له اليوم أبواب القصر غير متوافر، ومعلوم انّ كرسي بعبدا يشكل هدفا رئيسيا وأساسيا للتيار منذ أن كُلِّف العماد عون برئاسة الحكومة الانتقالية.

– السبب الثاني: كان العماد عون في العام 2006 في العمر الذي يسمح له المجازفة واتخاذ القرارات الصعبة والجريئة، ولكنه لم يعد كذلك اليوم خصوصاً في مسائل تتطلّب مواجهات وتبدلات على وَقع شعبية متهالكة وخسائر فادحة مُنِي بها في ولايته الرئاسية، وهذه الخسائر بالذات هي التي جعلت «حزب الله» يتجرأ عليه ويرشِّح فرنجية من دون العودة إليه، فيما لو خرج من الرئاسة بوضع مالي وسياسي مختلف لكان تبنّى الحزب باسيل للرئاسة.

– السبب الثالث: كونه يخشى على وضع التيار الذي أُرهق في الولاية الرئاسية ويتحضّر إلى مرحلة رئاسة باسيل الفعلية ولا يحتمل انعطافات كبرى وتبدلات جذرية مرهقة، خصوصاً في ظل الحديث عن محاور داخل التيار وانها قابلة للاتّساع مع التسلُّم الفعلي لباسيل. وبالتالي، من مصلحته في هذه المرحلة استمرار القديم على قدمه والاكتفاء بإشارات عن استعداده لإعادة النظر بتموضعه من دون الذهاب أبعد من ذلك.