كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
انتهت الهدنة السياسية التي فرضتها وفاة «عرّاب الطائف» الرئيس حسين الحسيني، وتعود التوترات السياسية إلى الساحة اللبنانية بدءاً بجلسة مجلس الوزراء التي دعا إليها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لإقرار جدول أعمال تتصدّر بنوده سلفة خزينة لتسديد ثمن بواخر الفيول لمعامل الكهرباء، في ظل مقاطعة وزراء رئيس الجمهورية السابق ميشال عون والتيار الوطني الحر وبينهم وزير الطاقة المختص وليد فياض الذي لا يرى حاجة لانعقاد الجلسة بعدما قطع موضوع التمويل شوطاً كبيراً وأصدر ميقاتي موافقة استثنائية قبل أن يتراجع أمام ضغوط رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي منع وزير المال يوسف خليل من التوقيع مشترطاً عقد جلسة لمجلس الوزراء، سيشارك فيه وزيرا حزب الله مصطفى بيرم وعلي حمية ما يوسّع الشرخ بين الحزب وشريكه في «تفاهم مار مخايل».
أما جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي ستُعقد الخميس المقبل بعد إرجائها، فستعيد المشهد ذاته مع رسم علامات استفهام حول كيف سيتطوّر موقف نواب التيار الوطني الحر الذين كانوا حتى الأمس القريب يسايرون حزب الله بالورقة البيضاء على الرغم من عدم الاتفاق بين الطرفين على ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية. وإذا كان اجتماع «تكتل لبنان القوي» برئاسة النائب جبران باسيل الذي انعقد الثلاثاء الفائت لم يتوصل إلى تبني إسم مرشح للرئاسة لا من خارج التيار ولا من داخله، فإن البعض لم يستبعد أن يكون باسيل تعمّد بعث رسالة إلى حزب الله بأنه مستمر في تمايزه عنه في الانتخابات الرئاسية إلى حد القطيعة أو إدارة الظهر للضاحية في حال لم يأخذ الحزب بعين الاعتبار موضوع الشراكة والتوازن واستمر بمسايرة الرئيس ميقاتي الذي يتهمه بالتيار باستغلال الفراغ الرئاسي للإطباق على صلاحيات رئيس الجمهورية والإخلال بالتوازنات بذريعة تسيير شؤون الناس.
فالتيار الذي يعود للتذكير بأنه شارك في نصب الخيم في وسط بيروت إلى جانب حزب الله و«حركة أمل» تضامناً معهما بعد انسحاب وزرائهما من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، يأخذ على حليفه اليوم أنه لا يتضامن معه في مواجهة الاستهداف الذي يتعرّض له موقع رئاسة الجمهورية والدور المسيحي، لا بل يزيد الأذى والأمور تعقيداً، كما أنه لا يحترم جوهر التفاهم وهو أن يكون للتيار الكلمة الأولى في الاستحقاق الرئاسي.
وفي انتظار ما ستؤول إليه العلاقة بين التيار والحزب وإذا كان باسيل قادراً بالفعل على التحرر من «تفاهم مار مخايل» خصوصاً في ظل افتقاده إلى حليف قوي في الداخل، فإن البعض نظر بإيجابية إلى قول رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع «إني مستعد لاستقبال باسيل إذا وجدنا شيئاً مشتركاً معه، وإذا أراد أن يصوّت للنائب ميشال معوض فأهلاً وسهلاً به». وجاء موقف جعجع بعدما كان امتنع عن تحديد موعد لوفد من التيار في خلال جولته على القيادات السياسية لشرح «ورقة الأولويات الرئاسية» بعد انقلاب التيار على «اتفاق معراب» الذي فتح الباب أمام وصول الرئيس ميشال عون إلى قصر بعبدا وبسبب غياب عامل الثقة. فهل يفعلها باسيل ويتجه نحو معراب ويحاول إصلاح ما انكسر؟ وما هي شروط جعجع؟
أما إشارة جعجع إلى المرشح ميشال معوض في معرض الترحيب بالتصويت له، فتأتي رداً على تحريف موقف القوات من الاستحقاق الرئاسي ومن دعمها ترشيح معوض من خلال الحديث عن تحضيرها خطة «ب» في نهاية كانون الثاني الحالي. وسبق للدائرة الإعلامية في القوات أن ردّت على ما حُكي عن «أزمة ثقة» بينها وبين معوض. فأكدت في بيان «أن النائب معوض هو المرشّح الفعلي للقوات ومن دون سقوف زمنية وذلك انطلاقاً من المواصفات السيادية والإصلاحية التي يتمتع بها والتي تتلاءم مع المواصفات التي وضعتها القوات». وقالت «منذ اللحظة الأولى لاتفاق مكونات المعارضة على تبني ترشيح النائب ميشال معوض وتعمل القوات ليلاً ونهاراً على تجميع ما أمكن من أصوات لانتخابه رئيساً للجمهورية وهي ما تزال على الوتيرة نفسها والمنحى ذاته وستبقى كذلك حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية» معتبرة أن «كل ما يُثار عن خطة باء مرتبطة بأوقات معينة لا علاقة له بحقيقة الأمر، فلا سقوف زمنية ولا خطط بديلة». وأضافت «في حال تبيّن خلال جلسات الانتخابات الرئاسية أن هناك مرشحاً يتمتع بمواصفات النائب معوض نفسها، ولكن يستطيع أن يجمع أصواتًا أكثر، عندها ستتداول القوات اللبنانية بالدرجة الأولى مع معوض وبالدرجة الثانية مع المعارضة لتحدِّد ما يجب فعله، وهذا موقف معوض بالذات الذي عبّر عنه مرارا وتكرارا، لأن الهدف النهائي إنهاء الشغور وانتخاب رئيس للجمهورية يتمتع بصفتي السيادة والإصلاح».
وكان سجال غير مباشر دار بين أوساط رئيس مجلس النواب نبيه بري والقوات على خلفية دعوة جعجع رئيس البرلمان وكتل الممانعة إلى «الاتعاظ مما جرى في انتخابات رئاسة مجلس النواب الأمريكي وترك جلسة انتخاب الرئيس المقبلة مفتوحة حتى ولادة رئيس الجمهورية». فقالت أوساط بري «إن الفائز برئاسة مجلس النواب في الولايات المتحدة يمثّل نصف الأمريكيين لأنّه لم ينل أصوات الديمقراطيين» وسألت «إذا كانت هذه التجربة تصلح للبنان؟» معتبرة أن «تركيبة لبنان خاصة وظروفه حساسة ولا مصلحة وطنية في انتخاب رئيس تَحد يمثل نصف اللبنانيين فقط وسط وضع داخلي معقّد ومنطقة متوترة، وأي فِعل متهور من هذا النوع سيصنَّف في إطار العبثية السياسية».
لكن مصادر القوات رأت «أن أوساط بري أسقطت الجانب الأساس الذي كان تناوله الدكتور جعجع والمتعلق بالآلية الانتخابية الدستورية وتمنت لو يقول بري لن أبقي الجلسات مفتوحة وأنتظر التوافق من خارج المجلس ليتولى هذا المجلس لاحقاً التصويت لمن تمّ التوافق عليه، لأنه يبقى أفضل مئة مرة من تبريرات لا تقنع أي مواطن» مضيفة «لا نلوم هذه الأوساط لكونها لم تتنبه في قولها إن الفائز برئاسة مجلس النواب في الولايات المتحدة يمثّل نصف الأمريكيين لأنه لم ينل أصوات الديمقراطيين» وبالتالي لم تتنبّه إلى أن الرئيس بري انتُخب بالنصف + 1 فقط ومن قبل فريق الممانعة، والفريق الآخر الذي يمثل النصف الآخر من اللبنانيين لم ينتخب بري ونائبه الذي يمثل بدوره فريق الممانعة، فهل انتخابهما هو «تحدٍّ وتهوّر وعبثية؟ ولماذا تم اللجوء إلى الآليات الديمقراطية في انتخاب رئيس المجلس ونائبه بدلاً من انتظار التوافق، خصوصًا أنهما يشكلان جزءًا من الانقسام العامودي القائم؟ ولماذا ما حصل في انتخابهما لا ينسحب على الانتخابات الرئاسية؟».