كتب صلاح سلام في “اللواء”:
كيف يمكن إعادة تسليك قنوات الحوار بين الأطراف السياسية للبحث بالمخارج الممكنة من حلقة الإنهيارات المستمرة؟
السؤال يشغل عواصم القرار المتابعة للوضع اللبناني المعقّد، ولو بقدر أقل من القلق الذي يقض مضاجع اللبنانيين، بسبب هذا الإنسداد السياسي، الذي يُمدد الشغور الرئاسي، ويُعطّل السلطة التنفيذية، ويترك الدولة في حالة من إنعدام الوزن.
القطيعة المتحكمة في العلاقات المتوترة بين الكتل النيابية والأحزاب السياسية، تشكل ظاهرة غريبة عن الحياة السياسية المعتادة في لبنان، حيث كانت الزعامات الإستقلالية المتخاصمة في السياسة، تحرص على إبقاء التواصل مستمراً بينها، ولو عبر وسطاء من الأصدقاء المشتركين، أو عبر الإتصالات الهاتفية، لتبادل الأفكار في البحث عن الحلول المتاحة للأزمات الطارئة.
«شعرة معاوية» بقيت فاعلة بين النواب والسياسيين في ذروة الحرب البغيضة، يوم كان القصف المتبادل يهدد حياة المدنيين الأبرياء، والدماء تسيل في الشوارع، وأصوات المدافع تطغى على نداءات الحوار وتحكيم العقل بين الميليشيات المتحاربة عبر خطوط التماس التي كانت تُقسّم بيروت، وتشتعل في أكثر من منطقة عندما يحين جنون الليل.
لقد علمتنا التجارب المريرة أن وطن الأرز هو بلد التسويات الخلّاقة، والمعادلات الدقيقة، وأن الحوار هو السبيل الوحيد لحسم الخلافات، عبر صيغ توافقية وتفاهمات، تستوعب الإختلافات في المواقف والتوجهات، وتجمع كل الأطراف على نقطة وسطية، على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب» الذهبية، التي أرسى أسسها أحد رجال الإستقلال الزعيم صائب سلام.
الشغور الرئاسي الحالي، وما يتفرع عنه من تجاذبات وتوترات، يحتاج أولاً إلى فتح قنوات الحوار، والتفاهم على آلية إطلاق العملية الديموقراطية في الإنتخابات الرئاسية، حتى ولو إقتضى الأمر وجود أكثر من مرشح لخوض المعركة الإنتخابية، تأكيداً على التمسك بمبدأ المنافسة الديموقراطية، على غرار ما كان يحصل في عهود الإستقلال،
أيام رجال الدولة، الذين نفتقد أمثالهم اليوم، حيث ترشح العميد ريمون إده ضد اللواء فؤاد شهاب رغم علمه المسبق بالإتفاق الأميركي المصري لمصلحة خصمه، وإلتفاف الأكثرية من النواب حول قائد الجيش.
دعوة الرئيس نبيه برّي للحوار تحت قبة البرلمان ما زالت صالحة لكسر الجليد المحيط بالإستحقاق الرئاسي، وتلاقي النواب المعتصمين في المجلس لتسريع خطى الإنتخابات الرئاسية.
بقي أن يقول لنا الرافضون للحوار ما البديل عن سلوك طريق التفاهمات والتسويات، لمواجهة العواصف الهوجاء، التي تهدد ما بقي من مقومات الدولة وإستقرار البلد!