كتب عمر البردان في “اللواء”:
لم يعد موعد الانفجار الاجتماعي بعيداً، بعدما بلغ مستوى الانهيارات على كافة المستويات، مبلغاً مخيفاً، وما عاد ممكناً بعد كل ذلك، توقع المصير الذي سيواجهه البلد في المرحلة المقبلة، والمحفوفة بكثير من المخاطر التي تتهدد اللبنانيين بأبشع العواقب، حيث لا رقيب ولا حسيب، يحد من الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء، بعدما بلغ أمس، عتبة 57 ألف ليرة، وهو مرشح للارتفاع إلى أكثر من ذلك بكثير، أما أسعار المحروقات والمواد الغذائية، فقد طارت إلى مستويات غير مسبوقة، وسط أنين الناس التي ضاقت ذرعاً من تفاقم هذا الوضع على نحو مأساوي، ما يهدد بتداعيات غاية في الخطورة. وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد أن لبنان ذاهب نحو منزلق في غاية الصعوبة، مع تجمع عناصر هذا الانفجار شيئاً فشيئاً، على ما تشهده المناطق اللبنانية من احتقان متزايد، عبر العودة إلى قطع الطرقات في جميع المناطق، توازياً مع احتدام المواجهة السياسية القضائية، على خلفية القرار المدوي الذي اتخذه المحقق العدلي في جريمة «المرفأ» القاضي طارق البيطار، بالادعاء على سياسيين وقضاة، وهو ما تسبب بانقسام قضائي حاد، ينذر بمضاعفات خطيرة على الجسم القضائي برمته.
وكم كانت الصورة مؤلمة ومحزنة في آن، مع ما تعكسه من خوف على مصير الأسلاك العسكرية والأمنية إذا استمر الوضع على ما هو عليه، بإعلان السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا، عن تقديم مساعدة مالية لكل عنصر في الجيش وقوى الأمن، عبارة عن مائة دولار شهرياً، وعلى مدى 6 أشهر، بالنظر إلى الصعوبات الاجتماعية التي تواجهها هذه العناصر. وهذه المساعدة الأميركية تضاف إلى ما تقدمه دولة قطر من مساعدات مالية للجيش اللبناني الذي يعاني مع غيره من المؤسسات الأمنية، ظروفاً لا تحتمل بعد انهيار الليرة وتفاقم الأزمات الحياتية والمعيشية التي تشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل ضباط وعناصر هذه المؤسسات، وتضع الجميع في وضع عصيب، إذا لم يتم تدارك ما يجري، بما يضع حداً لهذه المعاناة على أكثر من صعيد.
وفي الوقت الذي لا زالت تداعيات القرارات التي اتخذها القاضي البيطار تتوالى فصولاً، على الصعيدين القضائي والسياسي، فإن ما جرى في ملف المرفأ، يفتح الباب واسعاً أمام سيل من الأسئلة عن الأسباب والانعكاسات التي تطال الجسم القضائي بأكمله، خاصة بعد الموقف الرافض والحازم الذي اتخذه النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات في ما يتصل بقرارات المحقق العدلي، وإن كان نفى ما تردد عن أنه بصدد الادعاء على القاضي البيطار. في ظل ترقب لما سيصدر عن اجتماع مجلس القضاء الأعلى، في ما يتعلق بقضية المرفأ، لكن في ظل خشية جدية من أن يقود هذا التناحر الذي يشهده الجسم القضائي، إلى تدمير كل ما تبقى من حصن العدالة في هذا البلد، بعدما وصل الانهيار إلى قلب العدلية وسقطت هيبة القضاء والقضاة، على نحو مقلق ومفزع إلى أقصى الحدود.
وإذا كان القاضي البيطار، قد حدد مواعيد لعدد من المسؤولين السياسيين والأمنيين والقضائيين، لاستجوابهم بعد الادعاء عليهم، فإنه لا يتوقع حضور العديد من هؤلاء، استناداً إلى تجارب المرحلة السابقة، لا بل أن الأمور قد تأخذ هذه المرة أشكالاً مختلفة من التمرد والعصيان على قرارات القاضي البيطار، في ظل رفض النيابية العامة التمييزية لهذه القرارات، والطلب من الأجهزة الأمنية عدم الاستجابة لقرارات القاضي البيطار. لا بل أكثر من ذلك باتخاذ القاضيين البيطار وعويدات قرارات متعارضة بشأن الموقوفين في ملف المرفأ. وهذا الأمر سيزيد من حجم العقبات أمام الملف ، ويجعل المحقق العدلي عاجزاً عن القيام بدوره، ما قد يجعل عودته إلى ممارسة مهامه كضربة سيف في الماء. وهذا مؤشر سلبي للغاية، لا يساعد على إماطة اللثام عن هذه القضية التي يتوقع لها أن تذهب إلى مزيد من التعقيد على أكثر من مستوى.
إلى ذلك، وفيما بدأت بكركي تحركاً باتجاه القيادات المارونية، لإيجاد حل للمأزق الرئاسي، حيث يرجح أن يلتقي البطريرك بشارة الراعي، اليوم، رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية الذي يتحضر لإعلان ترشحه للرئاسة في وقت قريب، علم أن وفد «حزب الله» لم يلتزم لرئيس «التيار الوطني الحر» في لقائهما الأخير بشيء، لا بالملف الرئاسي ولا بعمل الحكومة، لا بل أكثر من ذلك، فإن أجواء وفد الحزب، أشارت إلى أن الأخير ملتزم باستمرار دعم رئيس «المردة» للرئاسة الأولى، طالما أن الرجل مستمر في معركته. وفي الموضوع الحكومي، كان الوفد واضحاً، بأنه سيدعم عقد جلسات للحكومة، كلما استدعت ظروف البلد والناس ذلك، باعتبار أن المطالب المعيشية أولوية تتعدى سواها من المسائل، وهذا ما أبقى الوضع على حاله بين الحزب والتيار، باستثناء التوافق على التهدئة الإعلامية، لا أكثر ولا أقل.
وقد توقفت أوساط سياسية متابعة للاستحقاق الرئاسي، وما يواجهه من عقبات، أمام ما قاله السفير السعودي وليد بخاري، لدى زيارته مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، مطمئناً إلى صحته، بتأكيده «أهمية إنجاح المساعي الهادفة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي ليكون منطلقاً لحل الأزمات اللبنانية المتلاحقة التي أصبحت في وضع حرج وبخاصة المؤسسات التي تتهاوى بسبب الازمة السياسية والاقتصادية الخانقة»، مشددة على أن «كلام السفير بخاري يحمل تحذيراً من المخاطر التي تتهدد الوضع في لبنان، وما يمكن أن يتركه ذلك على عمل المؤسسات، ما يفرض تحركاً داخلياً، قبل أن يكون خارجياً، لإعادة وصل ما انقطع بين القيادات السياسية، من أجل التوافق سريعاً على انتخاب رئيس جديد للجمهورية».