كتبت كارولين عاكوم في “الشرق الأوسط”:
ضاعف التأزم السياسي في لبنان والتطورات القضائية والتحركات الشعبية على خلفية ارتفاع سعر صرف الدولار وأسعار المحروقات، المخاوف من «فوضى أمنية»، وتعززت بالتحركات التي دُعي إليها بعد ظهر أمس؛ احتجاجاً على قرار مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات بالإفراج عن جميع الموقوفين في ملف انفجار المرفأ.
وبدأ أهالي ضحايا انفجار المرفأ بالتجمع بعد ظهر أمس؛ تمهيداً لاعتصام؛ احتجاجاً على القرارات القضائية، بالتزامن مع تحركات، اعتراضاً على تردي الأوضاع المعيشية، واستمرار تراجع قيمة الليرة مقابل الدولار الذي يحلق عالياً متجاوزاً للمرة الأولى الـ56 ألف ليرة للدولار الواحد، وتوسعت التحركات المتفرقة من الشمال إلى الجنوب.
ومع تسارع الأحداث في لبنان على مختلف الصعد وتفاقم الأزمات السياسية والقضائية والاقتصادية، بدأ يتخوف البعض من أن يكون ذلك مقدمة لفوضى اجتماعية قد تتحول إلى أمنية تأخذ لبنان إلى المجهول.
وتحدث النائب في الحزب «التقدمي الاشتراكي» هادي أبو الحسن عن الأزمات المتفاقمة التي من شأنها أن تؤدي إلى فوضى اجتماعية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «مظاهر تحلّل الدولة تسير للأسف بخطى ثابتة، من ارتفاع سعر صرف الدولار من دون حدود، إلى الأزمة السياسية وانسداد أفق الانتخابات الرئاسية، وصولاً إلى انقسام القضاء في مشهد غير مسبوق في لبنان حتى في عزّ الحرب الأهلية، وهذا كلّه يأتي مترافقاً مع أوضاع معيشية واجتماعية صعبة يعيشها المواطن اللبناني». من هنا يرى أبو الحسن أن كل هذه المؤشرات تدل على احتمال كبير لتفلّت الشارع والدخول في فوضى لا حدود لها، مستبعداً في الوقت عينه أن تؤدي إلى صدام أمني. ويشدد أبو الحسن على أن الحلّ يبقى بانتخاب رئيس للجمهورية، قائلاً: «علّ المسؤولين أن يستبقوا الفوضى ويتفقوا على رئيس، ونحن في الحزب الاشتراكي نحاول قدر الإمكان العمل على إيجاد مساحة مشتركة للوصول إلى اتفاق، مضيفاً: «إذا صدقت النوايا فسنستطيع إيجاد مرشح توافقي، والخروج من المأزق الذي نعيشه؛ لأنه ليس بإمكان أي فريق انتخاب الرئيس منفرداً بسبب التوازنات المعروفة في البرلمان»، داعياً بالتالي إلى استباق هذه الفوضى المتوقعة، وإنقاذ لبنان في أسرع وقت ممكن.
وفيما أشارت المعلومات، يوم أمس، إلى غضب عارم في صفوف أهالي ضحايا انفجار المرفأ من قرار إخلاء سبيل الموقوفين وبدء تحضيرهم لتحركات على الأرض، حذّر النائب في حزب «القوات اللبنانية» غياث يزبك من تداعيات القرار، متحدثاً عن استبداد الفوضى. وكتب على حسابه على «تويتر» مع الإعلان عن قرار القاضي عويدات إطلاق سراح الموقوفين، قائلاً: «الزلزال الأكبر بعد انفجار 4 آب يحصل اليوم بتفجير العدالة نفسَها بالدولة والوطن وبضحايا مجزرة المرفأ الأحياء منهم والأموات»، وأضاف: «إخراج الموقوفين ليس إحراجاً للقاضي البيطار، بل إخراج للدولة من منظومة العدالة إلى استبداد الفوضى وتَسلُّط الأقوى… لا تضعوا القوى الأمنية بين شاقوفَين، اللهم احمِ لبنان».
كذلك تحدث مدير معهد «الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر عن الواقع اللبناني في هذه المرحلة، واصفاً الوضع بـ«أننا على فوهة بركان قد ينفجر في أي لحظة»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كل مقومات هذا الانفجار باتت حاضرة؛ من توقف عمل المؤسسات، إلى الفراغ الرئاسي وانسداد أفق الحل، إلى الانقسام في القضاء والأوضاع الصعبة التي يعاني منها الجيش والقوى الأمنية». وتوقف نادر عند ما يشهده القضاء اللبناني على خلفية التحقيقات في انفجار المرفأ، قائلاً: هذا الانقسام غير مسبوق في لبنان، كان سابقاً هناك غياب لعمل القضاء، لكننا لم نصل إلى هذه المرحلة التي هي نتيجة المحاصصة السياسية والمذهبية التي تتحكّم بالقضاء والتعيينات، وها هي تتجلى اليوم في الانقسام حيال هذه القضية.
وأبدى نادر تخوّفه من أن يتحول الانفجار الاجتماعي إلى انفجار أمني، مميزاً بين الوضع اليوم وما كان عليه قبيل الحرب الأهلية، حيث كانت السيطرة للميليشيات. وقال: «الأكيد أن الحل هذه المرة لن يكون على أيدي هذه السلطة التي أوصلت لبنان إلى ما هو عليه اليوم، إنما عن طريق الانقلاب عليها أو عبر حلول تأتي من الخارج».