كتب فؤاد بزي في “الأخبار”:
يستمرّ إضراب أساتذة التعليم الرّسمي (أساسي، ثانوي ومهني) للأسبوع الرابع على التوالي. ومع انقضاء الشهر الأول من التوقف عن التعليم، يكون تلامذة القطاع الرّسمي قد خسروا 16 يوماً تعليمياً من أصل 70 متبقية لنهاية العام الدراسي، الذي أصبح مهدّداً بسبب «التعنّت الحكومي، وانسداد الأفق، وعدم وجود حلول حقيقية تعيد الأساتذة إلى المدارس».
الوعود التي أطلقت التعليم مطلع السنة الدراسية تبيّن أنّها خاوية، وعبارة عن «كلام ما عليه جمرك»، فالرواتب الثلاثة المضاعفة تفقد قيمتها مع مرور الوقت بشكل متسارع، فبين نزولها في المصارف وبين قبضها يتهاوى سعر الصّرف، ما يجعل الأساتذة متمسّكين بمطلب «قبض الرواتب على سعر خاص بهم في منصة صيرفة موازياً للدولار الجمركي». أمّا الحوافز من الجهات المانحة فتغيب عن بيانات الروابط ليأسهم منها، وتظهر في طلات وزير التربية عباس الحلبي الإعلامية فقط، والمدارس الرّسمية لا تزال من دون موازنات تشغيلية تمكّنها من إدارة أمورها اليومية، لدرجة قول أحد المديرين إنّ «بالي مرتاح خلال الإضراب، فالإقفال أزال همّاً عن كاهله، إذ كان يلجأ لاستدانة المال لتأمين المازوت والمياه للمدرسة».
لا جلسة حكومية
ولكن لا صدى لهذه التحرّكات على السّاحة الحكومية خصوصاً بعد الإعلان أنه «لا جلسة لمجلس الوزراء هذا الخميس، بانتظار استكمال الاستعدادات لبتّ الملف التربوي المتعلق بالتعليم الرسمي والجامعة اللبنانية وإقراره في جلسة واحدة»، وفق بيان صدر أول من أمس عن مكتب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي «لا يبدو مهتماً بـ400 ألف تلميذ و50 ألف أستاذ في البيوت لا يعملون» يقول أساتذة. في المقابل يستمرّ وزير التربية بإصدار بيانات تؤكّد «موافقة الجهات المانحة على دفع الحوافز، ودعوة الأساتذة للعودة إلى التعليم، وفتح المدارس»، من دون أن تجد أيّ تجاوب لدى الأساتذة الذين يرون أنّ «نار الوعود كوتهم، ولن يصدّقوا سوى أرقام حساباتهم المصرفية».
ويضاف إلى بيانات وزارة التربية، نشرها «جداول الأموال التي وصلتها وطرق إنفاقها ضمن الأبواب المحددة لها»، وهو ما تعدّه «تنفيذاً لإصلاحات مطلوبة من الجهات المانحة». وتبيّن الجداول المنشورة على موقع وزارة التربية صرفها لمبلغ 43،123,111 دولاراً خلال العام 2021 كحوافز لـ58،580 مستحقاً، من أساتذة وعاملين في القطاع التعليمي، إلا أنّ ما نشر لا يأتي على تفاصيل أكثر دقّة، مثل تحديد عدد الدفعات لكلّ مستفيد وأسمائهم، و«هي معلومات موجودة في الوزارة»، ويذكر أنّ هذه الدفعات لم يتقاضاها مستحقّوها بالعملة الأجنبية، بل بالليرة وبحسب سعر منصة صيرفة، ما يعني أنّها كانت أقلّ من قيمتها الحقيقية بالعملة الأجنبية.
ولا عودة للتعليم
أمّا الأساتذة، وعلى رغم خلافاتهم على «صحة التصويت من بعد، أو عقد جمعيات عمومية افتراضية»، فتأتي نتيجة تصويتهم مدوّية بـ«لا عودة إلى المدارس»، إذ تخرج تباعاً نتائج الاستبيان بنسب تأييد عالية جداً لـ«استمرار الإضراب»، وتبلغ في التعليم الأساسي 86%، وفي المهني 96%، وفي الثانوي 97.3%. ولكن حجم مقاطعة أساتذة التعليم الثانوي للتصويت كان لافتاً، إذ صوّت 3598 أستاذاً من أصل حوالي 7002، أي أكثر من النصف بقليل، ما يشير إلى رفض جزء لا يستهان به من الأساتذة لطريقة تحرّك رابطتهم.
المعارضون في التعليم الثانوي يطلبون من الأساتذة «مقاطعة الاستبيان، وعدم المشاركة فيه، فالهيئة الإدارية بالنسبة لهم شريكة في مشهد تعطّل العام الدراسي. هي فتحت المدارس بالقوة مطلع السّنة من دون ضمانة الاستمرارية». ومن جهة الهيئة الإدارية، فـ«الدعوة للتهدئة، ولم الشّمل، والتوحّد حول الحقوق قائمة» بحسب حيدر إسماعيل نائب الرئيس، الذي يكرّر الاستعداد لـ«عقد مجلس مندوبين بعد لملمة البيت الداخلي، فنجاح المعارضين بسحب الثقة من دون وجود هيئة إدارية فاعلة يعني الدخول في فوضى».
الخاص نحو الإضراب
ووسط هذه الانقسامات الحادّة لدى الأساتذة، والتجاذب مع الحكومة، والوضع الاقتصادي المتدهور، يرتفع مستوى الخوف على العام الدراسي ككلّ، في القطاعين الخاص والرّسمي، فالأول ليس بعيداً من التحرّكات المطلبية على رغم صوت أساتذته المنخفض مقارنةً مع زملائهم في القطاع الرّسمي، فهم يعلّمون برواتب جدّ زهيدة، وتقديمات متواضعة، وغير مضاعفة أو مدعومة بالعملة الأجنبية، و«لكنّ المطالبة عندهم تساوي الصرف من العمل» بحسب أستاذ في «مدرسة كبيرة» وفق توصيفه. والحال هذه تدفع بنقابة المعلّمين لـ«عقد جمعيات عمومية في المدارس اليوم، والتوجه إلى الإضراب التحذيري يوم الأربعاء المقبل».