كتب محمد شقير في الشرق الأوسط:
تطرح استضافة البطريرك الماروني بشارة الراعي للنواب المسيحيين في اجتماع يُعقد على الأرجح بعد غدٍ الأربعاء، مجموعة من الأسئلة يتصدرها مدى استعدادهم لإخراج انتخاب رئيس الجمهورية من التأزُّم بفتح كوّة تُنهي مسلسل تعطيل انتخابه، وتدفع باتجاه توفير الأجواء المؤاتية التي من شأنها أن تشكل رافعة سياسية يأخذها رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعين الاعتبار لإعادة فتح أبواب المجلس أمام انتخابه.
فاللقاء النيابي المسيحي المحكوم بمناقشة بند وحيد أُدرج على جدول أعماله يتعلق بإزالة العقبات التي تعيق انتخاب الرئيس، يفترض مشاركة جميع النواب المنتمين إلى الطوائف المسيحية، هذا في حال أن الكتل النيابية إلى جانب النواب المستقلين قرّرت تلبية الدعوة ولم تشترط التوسع لجهة الدخول في نقاش مستفيض وصولاً للاتفاق على آلية موحّدة تؤدي حتماً إلى إخراج انتخاب الرئيس من الحلقة المفرغة التي لا يزال يدور فيها.
لذلك يبدو أن هناك صعوبة في الاتفاق على آلية موحّدة تتجاوز العموميات إلى البحث في الترشيحات، وهذا ما يدركه الراعي، وبالتالي سيحصر كلمته في حث النواب على تفعيل مشاركتهم في جلسات الانتخاب والاستعاضة عن الاقتراع بورقة بيضاء باستبدالها بالتصويت لهذا المرشح أو ذاك، مع أن النائب ميشال معوض يتميّز عن الآخرين بترشّحه لرئاسة الجمهورية بخلاف المرشحين الذين يُبدون رغبة في خوضهم للانتخابات لكنهم يتريّثون في حسم موقفهم، وهذا ما يكمن وراء اقتراع من يؤيدونهم بصورة غير رسمية، بالورقة البيضاء.
فالورقة البيضاء هي المنافس الوحيد للنائب معوض، وأيضاً للأستاذ الجامعي عصام خليفة المدعوم من قبل عدد من النواب المنتمين إلى تكتل «قوى التغيير»، برغم أن جلسات الانتخاب السابقة اقتصرت على دورة أولى من انتخاب الرئيس من دون أن تُستكمل بدورة ثانية، بسبب تعذُّر تأمين النصاب القانوني لانعقادها بسبب خروج النواب المنتمين إلى الثنائي الشيعي و«التيار الوطني الحر» من الجلسة.
ويبقى السؤال، كيف سيتعامل الراعي في حال أن النواب تطرقوا في مداخلاتهم إلى ما قد يترتب من تداعيات على حصر اللقاء بهم، وهل سيكون له من مفاعيل لدى زملائهم المسلمين؟
فهل ينتهي اللقاء للقفز فوق الخلافات بداخل النواب المسيحيين إلى إصدار موقف ضاغط لإخراج جلسات انتخاب الرئيس من المهزلة؟ لأن مجرد دخوله في التفاصيل يعني أن اللقاء يأتي في سياق لزوم ما لا يلزم لأنه قد يشهد مداخلات من العيار الثقيل، وتحديداً بين فريق «الصقور» في الطائفة المارونية، كونه يضم قادة الأحزاب المسيحية الذين هم على خلاف حول الرئيس العتيد ويقفون على خطوط سياسية لا تلتقي، خصوصاً بعد سقوط نظرية الرئيس القوي.
وعليه، من الصعوبة بمكان أن يتلاقى هؤلاء الصقور حول قواسم مشتركة ما دام أن رؤساء أحزاب «القوات اللبنانية» سمير جعجع و«الكتائب» سامي الجميل، و«الأحرار» كميل دوري شمعون يدعمون ترشُّح معوّض، فيما يتريّث زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية في الإعلان عن ترشّحه، مع أن الثنائي الشيعي ينبري لخوض معركته في مقابل رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي يفكر في الترشُّح.
إن ارتفاع منسوب الخلاف بين هؤلاء الصقور سيحاصر لقاء بكركي الذي قد يكتفي بإصدار توصية تقضي بالإسراع بانتخاب الرئيس بالتناغم مع ما سيصدر عن اللقاء الخماسي الذي تستضيفه باريس اليوم في هذا الخصوص.
كما أن الدعوات التي أطلقها سابقاً جعجع بضرورة إعادة النظر في التركيبة السياسية، ومن ثم الجميل الابن بتفضيله الطلاق في حال أن هناك من يتعامل مع فريق كبير من اللبنانيين على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، في إشارة مباشرة إلى تحذيره من المجيء برئيس للجمهورية على قياس «حزب الله»، وكان سبقهما باسيل بدعوته إلى عقد سياسي جديد، ما يعني أن كل هذه الطروحات لن تغيب عن المداخلات التي سيدلي بها عدد من النواب، وهذا يتطلب من الراعي التدخّل لحسم الموقف على قاعدة ضرورة استكمال تطبيق الطائف وتنقيته من الشوائب الناجمة عن سوء تطبيقه.
لذلك هناك من يستبعد إقحام لقاء بكركي في لعبة الأسماء، لأن مجرد الولوج إليها سيتيح لمؤيدي معوض تسجيل موقف على خلفية أنه يحظى بتأييد أكثرية الحضور بخلاف فرنجية الذي لم يعلن ترشيحه، بينما يتموضع باسيل منفرداً في معارضته لهما.
لكن الرهان على العامل الخارجي لإنجازه يبقى حتى إشعار آخر في غير محله، لأن الدول المعنية به تترك للبرلمان مسؤولية لبننة الاستحقاق لأن من واجب النواب انتخاب الرئيس، وأن تمديد الشغور الرئاسي يؤدي إلى تمديد الأزمة، فيما البلد في حاجة إلى إخراجه منها للوصول إلى بر التعافي شرط الاستجابة لدفتر شروطه بتحقيق الإصلاحات لمساعدته على النهوض من الوضع الكارثي الذي يمر فيه البلد.