كتب حبيب البستاني في “اللواء”:
بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لتفاهم مار مخايل في السادس من شباط 2006 قام وفد رفيع من “حزب الله” بزيارة الرئيس ميشال عون في الرابية، هذه الزيارة أتت في وقت بلغت فيه التباينات السياسية بين الحزب والتيار حدّاً غير مسبوق. وقد شكّلت هذه الزيارة تتويجاً لغسيل القلوب الذي بدأه الحزب مع الوزير باسيل واستكمله مع الرئيس عون.
والسؤال المطروح هو هل نجحت الزيارة في إعطاء جرعة الأوكسجين الضرورية للتفاهم الهرم الذي بدأ يتآكله عامل الزمن إضافة إلى الكم الهائل من المشاكل التي تعترضه؟، حيث بدا كالرجل المريض الذي أصابته الشيخوخة وهو بعد في عز شبابه. حتى أن البعض ذهب بعيداً بقوله أن التفاهم مات في العام 2016 يوم وصل العماد عون إلى سدة الرئاسة حيث توقف الدعم وتُرك الرئيس عون وحيداً يصارع الأعداء كما الأصدقاء. يصارع في الداخل لتظهير صورة وطن وكيان ودولة، ويصارع في الخارج للحفاظ على منعة لبنان وهويته التي هدّدها النزوح من جهة والعقوبات من جهة أخرى.
طبعاً كان لا بد من الزيارة، أقلّه في الشكل حيث أن الجميع يحتفل بالمناسبة بغض النظر عن حالة الفرح أو السعادة، والاحتفالية أتت لتكرّس الحنين إلى زمن مضى لا سيما إلى زمن البدايات حيث حقق التفاهم ما لم يستطع أن يحققه أي تفاهم أو اتفاق ثنائي إن على الصعيد الوطني أو على الصعيد السياسي.
ولكن شتّان بين الحنين والواقع، وإن الأمور ومهما صفت النوايا تبقى بخواتيمها، فكلا الطرفين، التيار والحزب، يريدان للتفاهم أن يبقى ويستمر وهما متعلقان به ولكن ما يريده التيار مختلف عما يريده الحزب، فالتيار يريد للتفاهم أن يتطور وذلك كشرط أساسي لاستمراره، بينما الحزب يتعامل معه وكأنه واقع قائم ينبغي الحفاظ عليه وذلك بأقل قدر ممكن من الخسائر وبالحد الأدنى من التفاهم.
لقد نص التفاهم على مسائل أساسية لا بد من التوقف عندها وتحليل ما تحقق منها وما لم يتحقق. وبعيداً عن اللغة الأدبية التي صيغ فيها التفاهم وبعيداً عن المسلّمات السياسية والوطنية التي نص عليها والتي لا يختلف عليها اثنان في لبنان، من الحوار إلى الديمقراطية التوافقية وغيرها يبقى بند بناء الدولة هو الأهم.
وبناء الدولة وبحسب التفاهم ينص على:
اعتماد معايير العدالة والجدارة والنزاهة إلى ما هنالك.
ويبقى القضاء واستقلاليته هو البند الأساس والضامن لبناء الدولة بغية تسيير عمل المؤسسات.
وهنا يبرز موضوع مكافحة الفساد كبند مفصلي ورئيسي لانتظام العمل في كل الإدارات.
لقد عمل الرئيس عون وطيلة سنوات حكمه على معالجة كل هذه المسائل فنجح في إرساء بعضها كقانون انتخاب عصري مع ما يشوبه من شوائب ينبغي تصحيحها، إلى موضوع مكافحة الفساد الذي عمل عليه من خلال الأطر القانونية والتشريعات ولا سيما منها موضوع التدقيق الجنائي.
كل هذه المواضيع وغيرها لقيت معارضة داخلية شرسة من خصوم التيار ومن حليف الحزب بالدرجة الأولى، ولم يستطع الحزب مساندة الرئيس فيها بصورة فعّالة وحاسمة فبقي التأرجح سيد الموقف، ولم يذهب ولا مرة للدعم الراجح والوازن غير المشروط.
فهل تغيّر شيء بعد زيارة الرابية؟
لغاية هذه اللحظة وحتى كتابة هذه السطور لم يتغيّر شيء ملموس، فواظب الحزب على حضور الجلسات اللاميثاقية التي دعا إليها رئيس حكومة تصريف الأعمال ضارباً بعرض الحائط موقف التيار وكل القوى المسيحية.
أما موضوع الرئاسة فبقي على حاله، وبالتالي فإن التيار كان قد سبق وأعلن أن الرئيس العتيد أو المرشح العتيد للرئاسة يجب أن يحظى بحيثية في بيئته المسيحية أولاً كما هي حال رئيس الحكومة الذي يجب أن يحظى بحيثية سنية ورئيس المجلس بحيثية شيعية. وبالتالي فإنه لا يُمكن أن يُفرض مرشح رئاسي على التيار لا ينبع من صلب إرادة التيار أولاً. وهذا ما لم يتبلور بعد في موقف الحزب من الاستحقاق الرئاسي.
نعم التفاهم في العناية المركّزة… فهل ينفع الإنعاش في رفع الخطر عن نهايته؟