كتب بسام ضو في “الجمهورية”:
يعرّف علم القانون القضاء بأنه مجموعة من القوانين يضعها مُشرّعون ويعمل القضاء من خلال قوانين وضعية تنجزها الأجهزة القضائية المختصة لِفض أي نزاع بين الناس ولتكريس العدل بين النانس وحماية الحقوق والحريات ورفع الظلم الذي يلحق بأي مواطن، سواء أكان من السلطات العامة أو من مجموعة من الناس أو من مؤسسات عامة وخاصة أو من دول، ويتم التعويض على الضحايا بما يتناسب مع حجم الجرم ونوعه.
إنّ القضاء يسعى وفقًا للأصول القانونية إلى احتراف الوصول إلى العدالة الصارمة والصادقة في أحكامه، والتي تُعدّ قانونيًا الميزة المُثلى لأي نظام قضائي فاعل. كما أنّ علم القانون يذكر ما يلي «لا يمكن تصوّر إمكانية نهوض القضاء بأمانة العدل من دون تأمين الإستقلال الفعلي والكامل له، فالقضاء المُنزه الموثوق والفاعل هو شرط أساس للدولة القانونية وللتنمية السياسية ويجب أن يبقى مستقلاً بعيدًا عن المؤثرات والمداخلات من أي جهة أتتْ، ومن أي نوع كانتْ، وعند هذا المفصل يمكن تحديد مدلول استقلال القضاء بكونه استقلاله كمؤسسة ويتجسد ذلك في سلطة القضاء إداريًا وماليًا كما يتجسد ذلك في سلطة إتخاذ القرار».
إنّ تسييس القضاء هو من أبرز مسببات الأحكام الجائرة التي تعيق عمل العدالة، وتسييس القضاء هو اعتماد منطق المخالفة وبالتالي عمليًا نقيض موضوعي لإستقلال القضاء وضمان حياديته والذي يصفه أحد الفقهاء بأنه «عملية إضفاء صفة سياسية على موقف معيّن ليس له بالأصل هذه الصفة». وفي معرض البحث عن تسييس القضاء يلفت مرجع قانوني إلى «أحد أهم أسباب التسييس القضائي هي إصدار أحكام لخدمة أغراض سياسية للسلطة الحاكمة أو لجهة سياسية نافذة بالتعرّض لضغوط ما، منها مثلاً ترهيبية أو إغراءات، وتنبثق ظاهرة التسييس في الغالب بين مفصلين رئيسيين أولهما التدخل في تشكيل السلطة القضائية بصورة تخدم توجهات السلطة السياسية ومصالحها، والثانية التغاضي عن إظهار الحقيقة».
قرأتُ مقالاً للدكتور القاضي نوّاف سلام حيث اعتبر أنّ ما يحتاج إليه لبنان مرحليًا هو «التصدّي الجاد للجذور العميقة للأزمات المالية والإقتصادية والمالية التي يُعانيها، وهذا يتطلب إصلاحات جذرية ورؤية واضحة لبناء إقتصاد حديث ومنتج يؤمّن فرص عمل جديدة ونمّو مُستدام… غير أنّ الشرط الأساسي لتحقيق هو قيام دولة قادرة، دولة قانون ومؤسسات ترتكز على قيَم المساواة والحرية والعدالة الإجتماعية وتوفر شروط المساءلة والمحاسبة الديمقراطية».
يضيف الدكتور القاضي نوّاف سلام، في معرض حديثه عن جريمة العصر جريمة مرفأ بيروت، حيث يتساءل عن ملابسات التحقيق وتعرجاته ولا سيّما في أسباب توّقف هذا التحقيق وما دور السلطة السياسية في كل ذلك، وهل القضاء «اليوم في بنيته وأنظمته الراهنة على تحقيق استقلاله المطلوب عنها كسلطة قضائية قائمة بذاتها؟» إنّ مشروعية ما يُثار في كل ما يتم تداوله من أمور خطيرة تلفّها شبهات فساد وهدر وصفقات وفضائح كما أنّ التدخلات السياسية تحول دون قيام ملاحقات وتحقيقات قضائية جديّة بشأنها، كما أنّ التدخلات السياسية لا تسمح بالوصول إلى الخواتيم المرجوة.
في معرض البحث عن معوقات العمل القضائي يظهر أنّ هناك العديد من المعوقات التي تحول دون تحقيق العدالة الناجزة، تبدأ من إبطاء إجراءات التقاضي وعدم حصول المتقاضين على حقوقهم في الوقت المناسب ومعاناتهم عند تنفيذ الأحكام القضائية وحاجة بعض التشريعات للتعديل… ومن الملاحظ أيضًا أن تنفيذ الإستنابات القضائية هي من أهم المواضيع المطروحة في جريمة مرفأ بيروت خصوصًا في مجال الإجراءات التنفيذية، سواء تعلّق الأمر بالصعوبة الإجرائية التنفيذية أو الموضوعية القانونية للإستدعاءات، وهذا ما يُثير إشكالية المسؤولية عن عدم التنفيذ ودور القضاء في الوقوف على تنفيذ الأحكام، ذلك أنه لا فائدة تُرجى من النطق بالأحكام ما لم تقترن بالتنفيذ.
بات من الضروري التفكير في إعادة النظر في الكثير من نصوص قانونية يتم عرقلتها من قبل السلطات السياسية أو بعض المراجع النافذة، هذا بالنظر الى الدوافع الممارسة في جريمة مرفأ بيروت من تساؤلات عن حالات عدم الإمتثال أمام القضاء. هل يُعقل أنّ يتمرّد مطلوب على القضاء ؟ وفقًا للقانون إنّ أمر المثول أمام القضاء هو أمر قوي وفعّال في جميع أنواع الإستدعاءات وهو استدعاء بقوة الحكم القانوني. إنّ امتثال الأفراد أمام القانون يتحقق وفقًا لمبدأ الإلتزام بالأحكام والمبادىء التي تتضمنها القواعد القانونية وتطبيقها، ويتحقق ذلك وفقًا لإفتراض الخضوع والإمتثال بمعنى تطبيق الأحكام والمبادىء على النحو الذي تحدده القوانين. إنّ ما يحصل في ملف جريمة تفجير مرفأ بيروت هو هرطقة قانونية وخاصة لناحية تَزامن إعادة تحريك الملف الذي هو بحوزة القاضي البيطار وإطلاق سراح الموقوفين، وهذه بدعة سياسية يُراد منها تعطيل التحقيق.
إستوقفني ما قاله الكاتب البولندي برونو جاسينسكي «لا تخافوا من منفّذي التفجيرات، أسوأ ما يمكن أن يقوموا به هو قتلكم. لا تخافوا من الجماعات الإرهابية… في أسوأ الأحوال يمكنهم التخطيط لهجوم، خافوا من المسؤولين الفاسدين فإنهم لا يقتلونكم ولا يتآمرون عليكم بل إنّ أفعالهم وجرائهمهم تستشريان بسبب موافقتهم الصامتة…». حقًا ما غاية هؤلاء الساسة من تسييس القضاء في هذه المرحلة وخصوصًا في جريمة تفجير مرفأ بيروت؟!!