كتبت راجانا حمية في “الأخبار”:
لا يرسو قطاع الأدوية على برّ، وعطفاً على الأدوية المدعومة – المفقودة، وتوقف شركات الأدوية والمستودعات عن فوترة الطلبات في كل مرّة يقفز فيها دولار السوق السوداء فوق دولار مؤشر وزارة الصحة، بدأت بعض شركات استيراد الأدوية والمستودعات بانتهاج سياسة جديدة قائمة على استباق الأمور وتسعير كلّ ما هو خارج دائرة المؤشر الذي تصدره وزارة الصحة العامة، بالدولار الأميركي. عملياً، تشمل هذه الخطوة كلّ ما يصنّف ضمن خانة الأصناف شبه الطبية (para medical)، من متمّمات غذائية إلى فيتامينات وغيرها، وصولاً إلى مستلزمات العناية التي تباع ضمن الصيدليات.
انقسام الصيادلة
لم يعد ثمة ما يردع، ففي ظلّ الانهيار الشامل والغياب المطلق للدولة وللرقابة، يسلك كل طرف طريق «الحماية الذاتية». وهذا تماماً ما يفعله أصحاب المستودعات وبعض المستوردين، من خلال تسكير حساب الخسارة في الأدوية التي لا تزال مدعومة جزئياً أو تلك المرفوع عنها الدعم (والتي تخضع لمؤشر الأسعار)، بالاستفادة من تسعير فواتير الأصناف المتبقية خارج دائرة الأدوية الصيدلانية بالدولار الأميركي حصراً.
صحيح أنه لم يظهر حتى اللحظة أي قرار موحّد للتوجه الذي بدأه البعض، إلا أن تسلّله في هذه الظروف يفتح الباب أمام تنظيم تلك الظاهرة، انطلاقاً من أنه «بس تبلّش بشغلة، أكيد رح توصل لإشيا تانية»، يقول نقيب الصيادلة في لبنان، جو سلوم. وفي هذا السياق، بدأت الشكاوى تأتي من الصيدليات عن «فوترة الطلبيات لبعض المستلزمات بالدولار الأميركي»، يقول أحد الصيادلة الذين رفضوا هذا الأمر، حيث عمد إلى «إلغاء الطلبية ما لم تسعّر بالعملة اللبنانية». وينقسم الصيادلة حيال هذا الأمر، فمنهم من رفضه على اعتبار أن «هذه الأصناف ليست أدوية وبالتالي يمكن للمريض أن يستغني عنها، أضف إلى ذلك أن بعض الأطباء يمرّرونها للمرضى ضمن اتفاق مع الوكيل أحياناً»، فيما وافق عليها آخرون، وإن على مضض، لأنها «تسعف».
المرضى: الحلقة الأضعف
هذا الأمر يطرح إشكاليتين أساسيتين، أولاهما أنه ممنوع بحسب القانون تسعير المنتجات الصيدلانية، وحتى المستلزمات غير الطبية التي تباع في الصيدليات، بغير العملة الوطنية، يقول سلوم. والثانية هي معضلة التسعير، انطلاقاً من أن الصيدلي الذي سيدفع دولاراً مقابل تلك المستلزمات، سيعمد بالتالي إلى تدفيعها للمرضى والزبائن. وينعطف على ذلك الهمّ الإضافي الذي سيفرض على الصيادلة شراء الدولارات، والذي غالباً ما يكون من الصرافين، وما لذلك من انعكاسات على سعر الصرف. أما النتيجة؟ فهي تدفيع المرضى ثمن تلك السياسة، بما أنهم دائماً ما يكونون الأضعف ضمن تلك الحلقة.
وانطلاقاً من كلّ هذه الأسباب، طلبت نقابة الصيادلة من «الزملاء الصيادلة عدم استلام فواتير بالدولار الأميركي»، مطالبة في الوقت نفسه «المستودعات والشركات عدم إرسال فواتير بالدولار إلى الصيدليات حفاظاً على مصالح الصيادلة ودرءاً للمخاطر». وبحسب سلوم «الفوترة باللبناني تعني أن لا تبتزّ المريض بدوائه، باعتبار الدواء ليس سلعة وإنما مادة تحفظ حياة المريض»، ولذلك «استجاب بعض أصحاب المستودعات والشركات للطلب وعادوا إلى الفوترة باللبناني».
التوقف عن الفوترة
في مقابل هذه السياسة الجديدة، لا يزال الوضع على حاله في ما يخصّ الأدوية المدعومة، أو تلك المرفوع عنها الدعم والخاضعة لمؤشر الأسعار. فالأولى حكايتها باتت ممجوجة، انطلاقاً من أن كلّ مدعوم مفقود، والثانية تسير على خطاها، بحسب الصيادلة، خصوصاً في ظلّ الفارق الكبير بين سعر الدواء وفق المؤشر وسعر الدولار في السوق الموازية. فعلى الرغم من تحديد مؤشر أول من أمس سعر صرف الدولار للأدوية بـ71 ألفاً، إلا أن الدولار أمس لامس الـ77 ألفاً، ما دفع معظم أصحاب المستودعات والشركات إلى التوقف عن فوترة الطلبيات.