كتبت رحيل دندش في “الأخبار”:
أعاد حادث السير الذي وقع بعد نفق شكا فجر يوم الجمعة الفائت، وأودى بحياة 3 طلاب من جامعة البلمند، تسليط الضوء على قانون السير في لبنان الذي شهد مع الأزمة الاقتصادية ضربة كبيرة تكاد تكون قاضية. فتدهور الحال الاقتصادية للبلاد جرّ معه تدهوراً في تطبيق قانون السير، وتدهوراً في حال الطرقات التي تملأها الحفر والفجوات، وتعطُّل الكثير من إشارات السير، وغياب الإنارة في كثير من الأنفاق والطرقات الدولية والفرعية وغياب المعاينة الميكانيكية، وعدم صيانة السيارات، وتخرّج سائقين غير كفوئين نالوا شهادات سوق بالرشوة، إلخ. ليغدو السؤال بعد كلّ ما سبق «لماذا لا تموت الناس على الطرقات؟»، وليس «لمَ تموت الناس على الطرقات؟»
ضرورة التحقيق
لا تزال أسباب الحادث الذي أودى بحياة الطلاب الثلاثة ميرالا عز الدين، داريا مكتبي ومحمد رحال، وإصابة اثنين، مجهولة بحسب أحد خبراء المرور «وفكرة تحميل الشاحنة المسؤولية غير كافية، بل يجب أن يكون ثمة تحقيق يكشف ملابسات الحادث، إذ إن عدم معرفة نتائج التحقيق يترك الأمر للتكهنات التي تستسهل تحميل المسؤولية للطرقات في حين أن حال الطريق هناك جيدة، وذلك للحؤول دون تكرار المأساة». ويضيف خبير المرور، إن صيانة الطرقات المحفرة بالجور لا تعني انتهاء الحوادث. «أحياناً صيانة الطريق تؤدي إلى ارتفاع الحوادث، لأن الناس تستهوي السرعة، فالصيانة يجب رفدها بتطبيق قانون السير الذي عاد تطبيقه إلى المربع الأول. حتى وجود رادار لا يعد رادعاً لأن قيمة المخالفة غير رادعة. وهذا يحتاج إلى مراجعة جذرية لفعالية الإجراءات المتخذة في هذه الظروف».
يشير مصدر في القوى الأمنية إلى أن التحقيق يأخذ وقتاً، في حين أن حادثاً آخر قد يقع، يأتي لينسي الناس الحادث السابق، لافتاً إلى الحاجة إلى إعلام مروري متخصص لمتابعة التحقيقات والكتابة عنها بحيث لا يقتصر الأمر على المناسبات. ورداً على القول إن السير يقع في آخر أولويات قوى الأمن، يشير المصدر إلى أن «أداء كلّ مؤسسات الدولة متراجع، وفي ما يعني القوى الأمنية تراجع العديد، كما أن تسطير المخالفات في ظل إقفال النافعة والمعاينة الميكانيكية عملياً بلا فعالية». هذا نموذج يعكس واقع الحال «حتى البت بالتحقيق يحتاج إلى القضاء الذي كان معطلاً لفترة طويلة». لهذه الأسباب وغيرها المتوقع أن ترتفع حوادث السير «لكن لغلاء البنزين، وتراجع حركة الناس لهذا السبب، دور في انخفاض عدد حوادث السير»!
حياتنا رهن الصدفة
بدوره، يحمّل المحامي لحود لحود مجلس النواب والحكومة «مسؤولية الفلتان الذي نعيش فيه، وحياتنا المرهونة للصدفة البحت». يؤكد أن قانون السير الجديد الذي أخذ نحو 7 سنوات من الدراسة، إلى حين إقراره في مجلس النواب عام 2012، كان واجب التطبيق على مراحل تكون مرحلته الأخيرة هي دفع الغرامات، لأنه لحظ عدة مستويات منها إنشاء نظام النقاط حيث يعطى كل سائق 12 نقطة، يحرم منها تباعاً عند كل مخالفة إلى أن تُسحب منه رخصة القيادة ويمنع من السوق. ويوضح أن القانون لحظ أيضاً «تخريج خبراء مختصين في حوادث السير ومعلمين يعلمون الناس على قواعد القيادة السليمة، وإنشاء وحدة متخصصة في قوى الأمن الداخلي خاصة بالمرور… لكن ذلك لم يطبق، وحتى الغرامات لم تعدل حتى اليوم بما يترافق مع انهيار العملة ما أوصلنا إلى هذه الحال من عدم احترام شروط السلامة العامة والتي تعني ارتفاع عدد الضحايا».
مبادرات فردية
وفي وقت تغيب الدولة عن السلامة العامة، يبادر بعض الفنانين لتخفيف مسبّبات الحوادث كانعدام الإنارة، وهي المبادرة التي موّل فيها الفنان ملحم زين مطلع الشهر الجاري تركيب عواكس ضوئية (cateyes) على الحاجز الوسطي من صور إلى خلدة، ومن بيروت حتى نفق شكا بطول إجمالي 120 كلم، لكن تبقى هذه المبادرة على أهميتها أشبه بالشمعة. لأن قيام الدولة بموجباتها وتطبيق جدي لقانون السير واعتباره في أعلى سلم الأولويات هو الذي يحول دون وقوع المزيد من الضحايا. ففي العام 2022 سجل 2113 حادثاً و359 ضحية 2366 جريحاً. أما العام الجاري، فقد سجّل شهر شباط 89 حادثاً مخلّفاً 16 قتيلاً و100 جريح. ليرتفع عدد الضحايا إلى 47 قتيلاً منذ بداية العام.