كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
ما يُسرّع في الخطى الرئاسية تضييق الأزمة الإقتصادية الخناق على اللبنانيين والتفلّت في سعر الصرف وانفضاح أمر التواطؤ الحكومي، لا بل تورّط أباطرة الحكومة في عمليات تحويل الأموال إلى الخارج، والتي كانت السبب الرئيس في انهيار القطاع المصرفي وضياع أموال المودعين، إلى جانب انقطاع مصرف لبنان عن الواقع وإصرار الحاكم على أن يعالج بنفسه الإنهيار، رافضا أي شراكة أو اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وتقاطعت رغبة الحاكم مع تسهيل المنظومة أمر التصفية الممنهجة للودائع من خلال تأخيرها القوانين الإصلاحية التي وضعها الصندوق، ومعه المجتمع الدولي، شرطا رئيسا لتأهيل لبنان خارجيا وتقديم المساعدة له.
ولا يخفى أن إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري، رسميا، تبنّي ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية (لم يعلن ترشيحه بعد!) شكّل خطّا فاصلا بين مرحلة طغى عليها اللهو واللغو واللعو، وأخرى تحتمل الكثير من الجدية والقليل من هامش المناورة والتذاكي والمماطلة والمراوحة.
ويُتوقّع أن يستمر الثنائي الشيعي في معركة متدرّجة من حيث الأداء والمضمون لدعم ترشيح فرنجية، وإلقاء الحجّة متى لزم.
في المقابل، يُتوقّع أن تتقدّم دول الخليج العربي، في طليعتها المملكة العربية السعودية، في تثبيب رفض ترشيح فرنجية، على أن تشكّل مواقفها التصاعدية قاطرة لكي تنضم الدول المعنية بالملف الرئاسي، أوروبيا وأميركيا، الى هذا الفيتو.
ولا ريب أن هذا السلوك سيؤدي حتما إلى النتيجة المعروفة: سلبيتان لا تصنعان رئيسا. وعندها لا بد من الخيار الثالث، مهما طال الزمن.
ما عزّز نظرية السلبيتين عبارة وردت في كلام بري في تبريره دوافع التأخر في إعلان ترشح فرنجية، عازيا الأمر إلى «المحاولات المبذولة لتوفير أوسع تأييد له (…) بانتظار الوقت حتى يقتنع تكتل لبنان القوي ورئيسه النائب جبران باسيل بالانضمام إلى تأييد انتخاب فرنجية».
ولا ريب أن ربط رئيس البرلمان ترئيس رئيس تيار المردة بموافقة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، مع علمه بإستحالة أن ينال موافقة باسيل أو مباركته. إذاً، هذا اشتراط بحدّين، ويعني في حدّه الأقصى نعياً لترشيح فرنجية، واستدراجاً لعروض رئاسية من الخارج على الأرجح، تفتتح مرحلة جديدة من النقاش المحلي – الدولي إنطلاقا من الحاجة الى رئيس مسلّح بتوافقات داخلية واسعة المدى، وحاظيا بتغطية عربي ودولية لا يرقى إليها الشكّ تشكّل المظلة الشاملة لعودة العلاقة مع الخارج ورفع الحصار وبدء مسيرة التعافي المالي والإقتصادي.
بهذا المعنى، يعيد بري وضع نفسه في موقع المقرر الأساس في الإستحقاق الرئاسي، وإن كان يعي تماما أنه لم يعد بإمكانه إحتكار دور صانع الرؤساء، كما قبل سنة 2016.
هو بكلامه الى صحيفة «الأخبار» رسم خريطة طريق بدائية لخروج حقيقي من الاستعصاء الرئاسي والسياسي، يعوّل عليها لاستقطاب اهتمام خارجي أكثر فاعلية:
1-نعى على السواء ترشيح كُلاًّ من رئيس حركة الإستقلال النائب ميشال معوض وقائد الجيش العماد جوزاف عون، مع إدراكه المسبق بأن هذين النعيَيْن سيتركان ندوباً في علاقته مع دول إجتماع باريس الخماسي الذي بخلاصاته أقصى فرنجية واحتفظ بترشيح عون بقوة الواقع، من غير أن يُقفل على خيارات أخرى.
2-رشّح فرنجية حتى من غير أن يرشّح الأخير نفسه، لكنه لم يُقفل الباب، مواربة، على الخيار الثالث الذي بات ثمة إجماع خارجي على أنه الحل الوحيد للأزمة الرئاسية. هو في الوقت نفسه يقود حملة فرنجية الرئاسية ويتصدّر العارفين بمخاطر استمرار الإستعصاء، وترشيح رئيس تيار المردة مسبّب رئيس، وبتبعات الإستمرار في التعطيل اللهو واللغو واللعو، وهي تبعات قد تبدأ ولا تنتهي بالعقوبات، التهديد الذي نقلته سفيرة فرنسا آن غريو في لقاءاتها الأخيرة مع المسؤولين.