كتب عبدالله قمح في “الأخبار”:
«الحرب» في اليرزة مستمرة، وآخر فصولها، أمس، إعلان وزير الدفاع موريس سليم أن إصدار رخص حيازة السلاح من صلاحية وزارته استناداً إلى قرار مجلس الوزراء الرقم 1 تاريخ 16/1/1991 الذي حدّد حصر تنظيم ومنح التراخيص بوزارة الدفاع. بيان سليم جاء ردّاً على إصدار قائد الجيش العماد جوزف عون، قبل أيام، «مذكرة خدمة» قضت باعتبار بطاقة «تسهيل المرور» الصادرة عن مديرية المخابرات بمثابة رخصة حيازة سلاح لحامله. ما أراد سليم قوله ولم يذكره في بيانه، أن صلاحية إصدار الرخص تعود إليه حصراً، وهو المسؤول عن تنفيذ كل مهام وزارته طبقاً للمادة 15 من قانون الدفاع الوطني الذي وضع الجيش من ضمن المؤسسات الخاضعة له، وبالتالي لا يحق لقيادة الجيش إصدار تراخيص مشابهة أو التدخل فيها.
وفي إطار الصراع المحتدم بين سليم وعون، تدرج مصادر قريبة من الأول قرار قيادة الجيش في إطار «محاولات اليرزة منذ مدة لإدخال تعديلات بالممارسة على القوانين، تؤسّس لتطويق أيّ وزير دفاع مستقبلاً وتحدّ من صلاحياته». وهو ما ينفيه مقرّبون من عون، يشيرون إلى أن المشكلة في القوانين التي وضعتها السلطة السياسية وكانت مُجحفة في حق المؤسسة العسكرية. إذ «شحّلت» صلاحيات بديهية تقع في صلب اختصاصها، من بينها إصدار رخص السلاح. فقبل 1991، كانت قيادة الجيش هي من تمنح رخص السلاح، لافتة إلى أن إصدار «بطاقة تسهيل المرور» في الأساس اُريد منها حفظ حق الجيش!
ما يزيد الأمور تعقيداً المحاولات الجارية لانتزاع اعتراف بقية الأجهزة الأمنية بتنفيذ مذكرة قيادة الجيش أو رفضها. وبحسب المعلومات، فإن عون استبق إصدار المذكرة باتصالات شملت قيادات الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة واستحصل على موافقات شفهية على تطبيق مضمون قراره لجهة تسهيل عبور حاملي بطاقة تسهيل المرور، «وما كان القرار ليصدر من دون تفاهم ضمني مع بقية الأجهزة». وهو ما تُشكّك فيه مصادر وزير الدفاع التي تؤكد أن ما بلغها يوحي بعدم «هضم» المذكرة، مع إشارتها إلى احتمال «تفهّم» بقية الأجهزة للمذكرة خشية تحوّل النزاع إلى أمني – عسكري.
غير أن المصادر تتحدث عن «خطة باء» لدى الوزارة لتفادي هذا السيناريو، إذ إن قرار وزير الدفاع أمس أُبلغ إلى رئاسة مجلس الوزراء بصفتها وصية على المديرية العامة لأمن الدولة، ووزارة الداخلية بوصايتها على الأمن العام والأمن الداخلي، ووزارة المالية كوصية على المديرية العامة للجمارك ووزارة العدل – النيابة العامة التمييزية، النيابة العامة العسكرية ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية. ويفترض، بالتالي، أن يبادر المُبلّغون، وخصوصاً وزارة الداخلية، إلى تحويل ما ورد إليها كـ«مذكرة» إلى الأجهزة المعنية، ما يعني توقيف أي حامل للسلاح من دون رخصة رسمية ولو حاز تسهيل مرور صادر عن الجيش. ولكن، هل نسّق وزير الدفاع مسبقاً مع وزير الداخلية بسام المولوي، وهل تبادر وزارة الداخلية إلى تعميم تساهم فيه بتأجيج الاشتباك وإقحام الأجهزة – التي تفتقر إلى التنسيق في ما بينها أصلاً – فيه؟
جولة سريعة على الأجهزة توحي بوجود تباين. إذ لا يمكن وضع المديرية العامة لأمن الدولة في «سلّة» الجيش كلياً، وتوحي الأجواء بأن القرار سيُعرض على مجلس القيادة عند أول اجتماع مع اقتراح بقبوله. وهنا، ثمّة دور أساسي للمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، وما إذا كان سيمرّر «باس» إلى غريم الحالة العونية التي يُحسب صليبا عليها، وما إذا كانت رئاسة مجلس الوزراء الوصية على الجهاز ستتدخل في هذا الشأن. أما أوساط المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، فتفضّل عدم زجّ المديرية في اشتباك يأخذ أبعاداً تتجاوز المسائل القانونية. لكن: كيف سيتعامل أفراد قوى الأمن مع حامل سلاح فردي بموجب «تسهيل مرور» صادر عن مديرية المخابرات، ولا سيما في حالة صدور تعميم من وزارة الداخلية؟ الآلية الاعتيادية المعتمدة، هي مخابرة النيابة العامة العسكرية بشخص مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي وانتظار إشارته. في حال صدور «مذكرة» من الداخلية، تُصبح قطعات قوى الأمن ملزمة بالتنفيذ والتدقيق في أي حامل سلاح ومخابرة عقيقي فوراً. هنا لا مجال لشطب إمكانية إصدار مفوض الحكومة قراراً بتوقيف حامل السلاح وتسليمه إلى الشرطة العسكرية مع المضبوطات، أي اعتبار قرار قائد الجيش كأنه «غير موجود». ما يُعزّز سلوك هذا المنحى، الخلاف القديم بين عقيقي وعون. وما ينطبق على قوى الأمن الداخلي ينطبق مبدئياً على الأمن العام.