كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
أكثر من قراءة رافقت إعلان الثنائي الشيعي ترشيح رئيس «تيار المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية مستبقاً ترشيح الأخير نفسه رسمياً، مع العلم أن فرنجية في زيارته الأخيرة إلى الصرح البطريركي اعتبر نفسه مرشحاً طبيعياً، وحرص على التأكيد أنه ليس مرشح حزب الله، إدراكاً منه مدى الاحراج الذي سيواجهه هذا الترشيح في حال التصق بالحزب لأنه يجعل منه مرشح مواجهة ويؤدي إلى حرق حظوظه في حين يسعى هو ليكون مرشحاً متوافقاً عليه.
وبدا أن ما كان يتخوّف منه فرنجية حصل إذ بادر أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله إلى دعم ترشيحه بعد أيام قليلة على ترشيحه من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري، وكأن الثنائي الشيعي قرّر خوض معركة الرئاسة نيابة عن الزعيم الزغرتاوي، ما تسبّب بصدور ردود فعل فورية استهجنت طريقة الترشيح التي عكست فائض القوة والفوقية التي يتعاطى بها الثنائي مع باقي المكوّنات اللبنانية وخصوصاً المكوّن المسيحي الذي يُفترض أن تُحترَم إرادته وكلمتُه في انتخابات رئاسة الجمهورية مثلما تُحترَم إرادة وكلمة الثنائي الشيعي في انتخابات رئاسة مجلس النواب أو إرادة المكوّن السني في استشارات تسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة. ومن المعلوم أن البطريركية المارونية والأحزاب المسيحية لا اعتراض لديها على شخص الوزير فرنجية لكنها تعترض على الخط الذي يمثّله والذي يتعارض مع الخط التاريخي المسيحي لجهة الانفتاح على الدول العربية والأجنبية وعدم الانجرار وراء محور الممانعة ولاسيما في هذه الظروف التي يحتاج فيها لبنان لدعم أشقائه العرب لتخطّي الأزمة الاقتصادية والمالية غير المسبوقة، وإقفال الأبواب على أي تصدع جديد في العلاقات مع الدول الخليجية بعد الأزمة الدبلوماسية التي نشأت بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي إثر تصريحات وزير الإعلام السابق جورج قرداحي، بعدما تولّى أمين عام حزب الله التهجّم تكراراً على السعودية قبل أن يخرج أخيراً معاتباً المملكة على عدم الوقوف إلى جانب لبنان ودعمه.
ومن المعروف أن الورقة الكويتية التي وافقت عليها الحكومة اللبنانية تضمّنت سلسلة مطالب لمساعدة لبنان على الخروج من أزمته الاقتصادية، أبرزها التزام لبنان بكافة قرارات الشرعية الدولية وقرارات جامعة الدول العربية ووضع إطارٍ زمني لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي وأحدها يدعو إلى نزع سلاح الفصائل المسلّحة في إشارة إلى سلاح «حزب الله» ووقف تدخله في الشؤون الخليجية وبسط سيطرة السلطات الرسمية اللبنانية على كافة منافذ الدولة.
غير أن حزب الله وبدل مساعدة الدولة اللبنانية على احترام ما التزمت به، يصرّ على ممارسة دور «مرشد الجمهورية» ومصادرة القرار اللبناني في محاولة للحلول مكان الوصاية السورية التي كانت تفرض إرادتها في لبنان، إذ كان إسم رئيس الجمهورية ينزل بالوحي على النواب من قصر المهاجرين الذي كان يفرض أيضاً تمديد ولاية الرئيس خلافاً لرغبة اللبنانيين والمجتمع الدولي في كثير من الأحيان. ويبدو أن حزب الله اختار أيضاً طريق الخشونة وتحدّي الرأي العام ودوائر القرار الخارجية كما رأى منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار سابقاً فارس سعيد الذي لفت إلى «أن ذلك يشبه قرار بشار الأسد بالتمديد للرئيس إميل لحود عام 2004 في وجه القرار 1559».
هذا الترشيح لفرنجية لا يبدو أنه للمناورة أو للمساومة عليه خصوصاً أنه يأتي من طرَفي الرئيس بري والسيد نصرالله خلافاً لما كان عليه الوضع بين الطرفين في مسألة ترشيح وانتخاب العماد ميشال عون، حيث وقف الرئيس بري معترضاً بقوة على هذا الانتخاب رغم ترشيحه من قبل حزب الله، وبالتالي كل الدعوات التي يطلقها الثنائي الشيعي حالياً للحوار إنما هي دعوات للتوافق على فرنجية رئيساً وإلا التعايش الطويل مع الفراغ الرئاسي. وهذا ما يعبّر عنه مقرّبون من الحزب الذين يستعيدون تجربة عون ليقولوا إن فرنجية سيكون هو الرئيس مهما طال الوقت بدليل أن نصرالله لا يمكن أن يفرّط برصيده وصدقيته ولن يتراجع عن التزامه إلا إذا قرّر فرنجية بنفسه الانسحاب من السباق الرئاسي.
في المقابل، بدأت طلائع الجبهة المعارضة لخيار الثنائي الشيعي من خلال التلويح بتعطيل نصاب أي جلسة انتخاب لرئيس تتيح وصول مرشح لحزب الله إلى الرئاسة بما يمكّن الحزب من الإمساك مرة جديدة بالموقع الأول في البلاد خلافاً لإرادة الأحزاب المسيحية الرئيسية الممثلة بالقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والكتائب ونواب مستقلين ولو أن منطلقات رفض التيار تختلف عن منطلقات القوات والكتائب.
ويراهن الفريق المسيحي على عدم قدرة الثنائي الشيعي على حشد أغلبية 65 صوتاً لمرشحه خلافاً للأصوات التي أوصلت بري إلى رئاسة المجلس وخلافاً للأصوات التي أوصلت عون إلى قصر بعبدا، حيث أن حزب الله لما كان قادراً على تأمين وصول عون لولا موافقة القوات اللبنانية وبعدها رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط. أما معركة فرنجية اليوم فتبدأ بخسارة أطراف أساسية في طليعتها القوات والتيار الوطني الحر والصوت السنّي الوازن في غياب الرئيس الحريري، فيما موقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لا يمكن أن يناقض الفيتو السعودي على الرغم من محاولات الرئيس بري لاستمالة جنبلاط إلى ضفة المرشح فرنجية.
أما التيار الوطني الحر الذي أعلن عدم القبول بأن يفرض علينا أحد من الخارج أو من الداخل قراره، فتحدثت أوساطه عن سلسلة مطبات أمام انتخاب فرنجية أولها ميثاقي ويتطلّب منه إما تفاهماً مع التيار أو تسوية مع القوات اللبنانية، والأمران يحتاجان اليوم إلى ما يشبه المعجزة، ثانيها دستوري يتمثّل بعجز القوى المؤيدة له عن تأمين نصاب الثلثين الذي يتطلب 86 نائباً، أما المطب الثالث فسعودي، حيث قطعت صحيفة «عكاظ» الشك باليقين، من خلال ما نشرته في الساعات الأخيرة من صور معبرة، ومقالات قاسية في حق فرنجية وعلاقته بحزب الله.
ولكن أوساطا قريبة من حزب الله تذهب في تكهناتها إلى أن الاتفاق السعودي الإيراني على استئناف العلاقات الدبلوماسية سيفتح آفاقاً في المنطقة ومن بينها لبنان كما قال نصرالله، وتراهن هذه الأوساط على منح السعودية ما يرضيها في اليمن مقابل إيصال فرنجية إلى الرئاسة في لبنان، فهل تصدُق هذه التكهّنات أم هي مجرد أضغاث أحلام؟ وهل ستقبل بكركي والأحزاب المسيحية بأي تسوية على حسابهم؟