كتبت بلقيس عبد الرضا في “المدن”:
لم يعد الفقر في لبنان محصوراً ضمن الطبقات التي تعيش على الحد الأدنى من الأجور، أو تلك التي تتقاضى راتبها بالليرة اللبنانية، بل بات الفقر متعدد الأوجه، يطال جميع الطبقات الاجتماعية، بعدما تبدلت قيمة العملة اللبنانية، وطالت الأزمة الاقتصادية أسس الحياة المعيشية.
في ظل الانهيار المستمر لقيمة العملة اللبنانية، تبدلت المفاهيم التي تحدد أسس الطبقات الاجتماعية في لبنان، وأصبحت الطبقة المتوسطة الأكثر تأثراً، على نحو خلق هوة كبيرة بين الأثرياء والفقراء. لكن ذلك، لم يمنع أيضاً من تأثر الطبقة الميسورة بالأزمة الحالية، وإن بطرق مختلفة.
رامز شحادة، موظف في إحدى شركات الإعلانات في بيروت، يتقاضى راتباً يتخطى 1200 دولار. متزوج وينتظر طفله الأول. ولكن رغم ذلك، يشعر بأنه يتجه نحو المجهول. يقول لـ”المدن”: “على الرغم من أن المدخول الجيد نسبياً، لكنني عاجز عن تأمين حياة لائقة، في ظل غياب كافة الخدمات الأساسية، وفي مقدمتها الخدمات الصحية”. تحتاج زوجته إلى أدوية لم تعد متوفرة في لبنان، ويلجأ إلى السوق السوداء لتأمين احتياجاتها الطبية. مخاوف شحادة، لا تقف عند هذا الحد، بل يخشى أن يواجه طفله أي مشكلة صحية ولا يجد له مستشفى أو طبيب مختص.
تشير بعض البيانات إلى أن لبنان فقد أكثر من 3500 طبيب منذ العام 2019، وارتفعت وتيرة الهجرة منذ العام 2022، ناهيك عن إقفال العديد من المراكز الصحية، وغياب الأدوية والمستلزمات الطبية، وهو ما أثر على عدد كبير من اللبنانيين. باتت الخدمات الصحية في لبنان مهترئة إلى حد كبير، إذ أن العديد من المستشفيات أغلقت أقساماً عديدة، نتيجة النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية، وهو ما يعرض حياة اللبنانيين إلى مخاطر حقيقية.
ينتمي شحادة إلى الطبقة المتوسطة- الميسورة في لبنان، وفق المعايير الجديدة التي فرضتها الأزمة الاقتصادية، على اعتبار أنه يتقاضى راتبه بالفريش دولار، ورغم ذلك، يفتقد للرفاه والأمان الاجتماعي والاقتصادي.
لا يوجد أي أرقام رسمية حول تأثر الطبقات الاجتماعية بالأزمة الاقتصادية، إلا أن بيانات صادرة عن “الدولية للمعلومات” أفادت بحصول تغييرات في الطبقات الاجتماعية، وتحديداً في الطبقة المتوسطة التي تقلصت من 70 في المائة إلى 40 في المئة، لتصبح نسبة الطبقة المصنفة فوق خط الفقر 30 في المئة، والطبقة تحت خط الفقر 25 في الماة، فيما يشكل أثرياء لبنان نحو5 في المئة.
تعتقد جنيفر شاهين، التي تدير شركة “شاهين العقارية” في منطقة المتن، أن الحياة في لبنان باتت شبه مستحيلة، نظراً لغياب كافة الخدمات الأساسية التي تحتاجها العائلة للعيش. تقول لـ”المدن”: “انخفضت جودة التعليم سواء في المدارس أو الجامعات منذ منتصف العام الماضي، بعد هجرة الأساتذة، ولم يعد من يمتلك “الفريش دولار” قادراً على تأمين الرفاهية الاجتماعية التي كان ينعم بها قبل العام 2019″. تضيف “لم تتمكن ابنتي من التسجيل في الاختصاص الذي تريده، نظراً لإقفال الكلية، واضطرت إلى التوجه نحو اختصاص آخر، قد لا يكون ذات أهمية في سوق العمل مستقبلاً”.
انخفضت جودة التعليم في لبنان بسبب الهجرة المستمرة للأستاذة. وفق بيانات “الدولية للمعلومات”، هاجر ما لا يقل عن 12 ألف أستاذ من لبنان من العام 2019 إلى 2022، فيما قلصت بعض الجامعات الخاصة كلياتها، وباتت الاختصاصات العلمية محدودة جداً.
“أكثر ما يؤلمني، كيفية تأمين الخبز والمستلزمات الغذائية الأساسية لإطعام أطفالي الثلاثة”، تقول ليليان الخولي. تتقاضى الأخيرة راتبها بالليرة اللبنانية، الذي لا يتعدى حاجز 5 ملايين ليرة، أي أقل من 60 دولاراً. وهو رقم لا يكفي أصلاً لشراء خبز لشهر واحد.
تقول لـ”المدن”: “من الصعب التأقلم في ظل هذه الظروف الحالية، خصوصاً بعد قرار تسعير السلع بالدولار، إذ لم يعد بإمكاني شراء العديد من السلع الغذائية”. تعتمد الخولي شهرياً على المساعدات من بعض المؤسسات الخيرية، حتى تتمكن من إطعام أطفالها.
باتت الخولي وغيرها الكثير من العائلات في عداد الطبقات المعدمة، أي تلك التي تعيش تحت خط الفقر (أقل من 2.68 دولاراً يومياً)، فيما كانت قبل العام 2019، تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، وقادرة على تأمين مستلزمات عائلتها.
وفق بيانات البنك الدولي الأخيرة، يعيش 74% من السكان في فقر، وتظهر بيانات استطلاع “غالوب” للعام 2021 أن تسعة من كل عشرة أشخاص تقريباً وجدوا أنه من الصعب تأمين الموارد المالية لتغطية نفقاتهم، فيما ستة من كل عشرة أشخاص وجدوا أنه “من الصعب جداً” تغطية نفقاتهم بدخلهم الشهري.