كتب منير الربيع في “المدن”:
في المقاربة اللبنانية للاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، السؤال الذي يطرح نفسه هو عن احتمال معرفة حزب الله بما يجري. فيما السؤال الآخر يتعلق بمعرفة السفير السعودي أيضاً بهذه المجريات.
ولذلك يترقب الجميع تداعيات هذا الاتفاق لبنانياً في المرحلة المقبلة، مع تسليم الجميع بأن ذلك يحتاج إلى وقت. من بين التحليلات التي تجري على الساحة الداخلية، محاولة تصوير الأمين العام للحزب حسن نصرالله بأنه لم يكن على علم بذلك. ويستند هؤلاء إلى موقفه يوم الإثنين الفائت، حين قال إن من ينتظر اتفاقاً سعودياً إيرانياً سينتظر طويلاً. علماً، أن مصادر قريبة من الحزب تفسّر موقف نصرالله بأنه ينطلق من اعتبار الوقت الطويل الذي يحتاجه أي اتفاق ليظهر على الساحة اللبنانية. وبالتالي، هو كان على علم بما يجري. ولأنه كذلك اعتبر أن الاتفاق لن يسري سريعاً على لبنان.
ضفّتا نصرالله وبرّي
بغض النظر عن كل هذه التفاصيل والتحليلات، فلا بد من العودة إلى بعض الوقائع، وفق ما تشير مصادر متابعة لمجريات هذه التطورات. وهنا تؤكد مصادر قريبة من حزب الله، أنه خلال الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت، وضع قيادة الحزب في تطورات ما يحصل، وأبلغها بنقطتين: الأولى، مساعي النظام السوري لترتيب علاقاته مع الدول العربية طمعاً في العودة إلى الجامعة العربية، وذلك من خلال سعي النظام للدخول في حوار مع عدد من الدول الخليجية، لا سيما السعودية. والثانية، هي أن الحوار الإيراني السعودي يحقق تقدماً، ويمكن أن تظهر مؤشراته خلال فترة قريبة. هذا على ضفة حزب الله.
أما على ضفة رئيس مجلس النواب نبيه برّي، فأيضاً تشير المصادر القريبة منه إلى أنه كان لديه بعض المؤشرات الإيجابية حول الحوار السعودي الإيراني. ولذلك أطلق موقفه في حفل افتتاح المبنى الجديد للسفارة الإيرانية، مشيراً إلى التركيز والتعويل على استعادة العلاقات الإيرانية السعودية. وهو موقف تعتبره المصادر كان مبنياً على ما لدى برّي من معطيات. وهذه الوقائع -حسب المصادر القريبة من الثنائي الشيعي- هي التي دفعت رئيس مجلس النواب وأمين عام حزب الله للخروج في إعلان ترشيح سليمان فرنجية، على قاعدة أن ترشيح الرجل جاء قبل حصول الاتفاق، وفي محاولة لفتح مسار سياسي جديد يقوم على ضرورة التوافق بين القوى اللبنانية على مرشحهما.
خطوة استباقية؟
من هنا يُفتح الباب أمام احتمالين. الاحتمال الأول، أن يبقى الثنائي متمسكاً بفرنجية على قاعدة أن ترشيحه جاء قبل الاتفاق الإيراني السعودي، وبالتالي لا بد من التفاوض على هذا الأساس للوصول إلى توافق برعاية هذا الاتفاق، أو بنتيجة انعكاساته وتداعياته التي تحتاج إلى وقت. أما الاحتمال الثاني، فهو أن تكون الخطوة الاستباقية مبنية على تكريس واقع معين. ولكن يمكن أن يتغير بفعل هذه التطورات الكبرى. علماً، أن حزب الله يؤكد عدم تخليه عن ترشيح فرنجية واستمرار دعمه له.
هذا سيشكل مزيداً من عناصر الضغط على فرنجية، في حال استمر الموقف المسيحي رافضاً له وساعياً إلى عرقلة الجلسة وتعطيلها. علماً ان الحزب يراهن على متغيرات إقليمية تدفع القوى التي تسعى إلى العرقلة للنزول عن الشجرة. من بين المعوقات أيضاً، هو الموقف السعودي الرافض لفرنجية والذي تطابق مع طرح البطريرك الماروني بشارة الراعي، ما سيفرض مقاربة أخرى لكيفية إنجاز الاستحقاق، خصوصاً في حال استمر الضغط المسيحي في مواجهة فرنجية، واستمر موقف البطريركية المارونية على حاله.
المقايضة والموافقة الفرنسية
من بين الأسباب الخارجية التي دفعت الحزب وبرّي إلى تبني خيار فرنجية، هو التأكد من موافقة فرنسية على سيناريو المقايضة، على قاعدة فرنجية للرئاسة ونواف سلام لرئاسة الحكومة. وهناك من يعتبر أنه لو لم تتوفر هذه الموافقة الفرنسية، لما استفاد الثنائي الشيعي الذي ينسق بشكل كامل مع باريس من الواقع القائم وأقدم على هذه الخطوة. والمعادلة الفرنسية سمعها أكثر من طرف لبناني داخل لبنان، كما سمعها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي بطريقة أو بأخرى خلال زيارته إلى باريس، على الرغم من قناعته بصعوبتها. فيما جنبلاط يعوّل على طرحه الذي يقوم على ضرورة التحاور للوصول إلى صيغة توافقية.
من هنا جاء موقف وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان، ليشير إلى أن اللبنانيين يحتاجون للتقارب فيما بينهم وليس إلى تقارب سعودي إيراني. وهو ما يتطابق مع نظرية جنبلاط حول ضرورة التحاور للوصول إلى قواسم مشتركة. وهو ما سيحصل لاحقاً بعد ترك المجال أمام المدى الذي سيأخذه ترشيح فرنجية، ومحاولات تلمّس انعكاسات الاتفاق السعودي الإيراني على الساحة اللبنانية.
التقاء الساكنَين
أما بخصوص السؤال الآخر، وإذا ما كان السفير السعودي على علم بما جرى أيضاً. هنا يؤكد من التقى السفير السعودي وليد البخاري مؤخراً، أن تغريدته حول الساكنَين، والتي جاءت بعد موقف نصرالله بترشيح فرنجية، تحمل مؤشرات ومعان كثيرة. لا سيما أن البخاري كان قد أكد أمام الذي التقوه بأن التغريدة ستكون متلازمة مع تسريع وتيرة وإيقاع الحركة على الساحة اللبنانية بشكل جدي للوصول إلى انتخاب رئيس.
ويؤكد من التقى البخاري أنه كان على علم بتفاصيل الاتفاق الإيراني السعودي، خصوصاً أنه عبّر بطريقة غير مباشرة أمام زواره بأن موقف رئيس مجلس النواب وأمين عام حزب الله بترشيح فرنجية، يهدف إلى فتح مسار جديد والانتقال إلى مرحلة أخرى. وقد أشار البخاري على طريقته الرمزية بأن لدى السعودية أجواء إيجابية من طهران حول تسهيل عدد من الملفات وتقديم تنازلات في أكثر من ساحة، انطلاقاً من مبدأ مراجعة السياسات في دول المنطقة. فلذلك هو اعتبر أن الجو الإيراني مع جو حزب الله وحركة أمل من شأنه أن يفتح كوة في الجدار للانتقال إلى مرحلة جديدة.
كلمات مفتاحية