كتب عبد الكافي الصمد في “الأخبار”:
لا يكاد أهالي الضنية يعرفون منطقتهم. يتجوّلون في جرودها وأحراجها وغاباتها، فيُفاجَؤون بالتشوّهات البيئية الحاصلة فيها. أشجار مقطوعة بالجملة، وأحراج تكاد تفقد اسمها، حتى بات شعار «الضنية الخضراء» الذي يتفاخر به أهل المنطقة في طريقه إلى الاختفاء، بحسب ما يقول حسن عثمان، ابن بلدة بيت الفقس، معيداً السبب إلى «الاعتداءات المستمرة على الأحراج والغابات من دون حسيب أو رقيب».
غياب الرقابة الرسمية والمدنية والشّخصية، جعل أحراج وغابات الضنّية تُستباح على نطاق واسع، علماً أن كثيرين دقّوا ناقوس الخطر للتحذير مما قد تودي به سياسة الإهمال هذه. فقد نشرت جمعية «الأرض – لبنان»، منتصف الأسبوع الماضي بياناً على موقعها في الإنترنت، أكّدت فيه أنّها «رصدت حصول مجازر بيئية في حقّ أكبر حرج صنوبر برّي في الشّرق الأوسط، هو حرج السّفيرة في الضنية، حيث يُصار إلى قطع أشجار الصنوبر المعمّرة بهدف التجارة دون الاستحصال على رخص تشحيل من وزارة الزراعة، ما ينعكس سلباً على التنوّع البيولوجي والبيئي في المنطقة». وأشارت الجمعية إلى أنّها «تضع هذا المنشور بمثابة إخبار لدى المعنيين، وتحديداً وزير الزراعة عباس الحاج حسن، وزير البيئة ناصر ياسين، محافظ الشّمال القاضي رمزي نهرا، قائمّقام القضاء جان الخولي، المحامي العام البيئي في الشّمال القاضي غسان باسيل وقوى الأمن الداخلي».
تحذير سابق
هذا التحذير ليس الأوّل من نوعه الذي يحثّ المعنيين، من مسؤولين وجمعيات وأهالٍ، على بذل جهود أكبر للحفاظ على الحرج الذي تقارب مساحته 3 ملايين متر مربع، والذي تتقاسم مهام الحفاظ عليه 3 بلديات تحوطه، هي بلديات السفيرة التي يقع الجزء الأكبر من مساحة الحرج ضمن نطاقها، وبطرماز وطاران، والتي اتسعت في السّنوات الأخيرة عمرانياً وزراعياً، وتمدّدت على حساب الحرج الذي باتت مساحته تضيق وتتقلّص كلّ سنة.
ففي مطلع شهر تشرين الأوّل الماضي، أيّ على أبواب فصل الشّتاء، حذّر رئيس بلدية السّفيرة علي حسّون «من ما يتعرّض له حرج الصنوبر البرّي في البلدة من قطع جائر، ازدادت وتيرته في الآونة الأخيرة مع اقتراب فصل الشتاء، ما بات يُهدّد فعليّاً الحرج بخسارة مساحة واسعة منه، وانقراض بعض أشجاره المعمّرة والنادرة». وأكّد حسّون حينها أنّه «لا يغطي أيّ أحد من المعتدين على الحرج والأملاك العامّة»، لافتاً إلى أنّ «لدى مخفر درك السّفيرة التابع لقوى الأمن الداخلي وفرع مخابرات الجيش، لائحة بأسماء المعتدين على الحرج».
غير أنّ الحرج بقي، رغم ذلك، يتعرّض لتعدّيات مختلفة وواسعة النطاق، كما حال بقية أحراج المنطقة وغاباتها، في منطقة وادي جهنم الفاصلة بين الضنّية وعكّار، وفي أحراج بلدات عاصون وبقاعصفرين والقمامين وقرحيا وبيت حاويك وبيت زود وسواها، التي شهدت «مجازر» بيئية بكلّ معنى الكلمة، بسبب إقبال المواطنين على مادة الحطب، قطعاً أو شراءً، وتوفيرها من أجل التدفئة عوضاً عن المازوت.
غياب الإمكانات
كلّ ذلك كان يحصل من غير أن تستطيع البلديات القيام بواجبها في حماية الغابات والمناطق الحرجية في المنطقة بسبب ضعف إمكاناتها، وهو ضعف امتدّ إلى عناصر قوى الأمن الداخلي، وإلى مركز أحراج الضنية الذي بات عاجزاً عن القيام بدورياته المعتادة في المنطقة ووضع حدّ للتجاوزات، بعدما أصبح راتب العنصر يساوي أقلّ من صفيحتي بنزين، ما جعل الحبل يفلت على غاربه، إلى حدّ أنّ عدداً كبيراً من المواطنين لم يعد يكتفي بتأمين حاجته من الحطب من الأحراج والغابات المجاورة، بل بات يعمل على قطع وتجميع أكبر كمية ممكنة من الحطب تمهيداً لبيعها، ما رفع سعر طن الحطب إلى حدود 200 دولار، حسب نوعيته، بعدما لم يكن سعره يتجاوز في السنوات السّابقة أكثر من 100 دولار، إضافة إلى تجّار الفحم الذين ازدهرت تجارتهم أيضاً، وبعدما باتت مشاحر الفحم منتشرة وفي ازدياد.