كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
يسود الغموض حول الاستحقاق الرئاسي وما آلت إليه بورصة الترشيحات خصوصاً بعد توقيع الاتفاق السعودي الإيراني من جهة وبعد المحادثات الفرنسية السعودية الأخيرة في باريس حيث يراهن فريق الممانعة على معاودة فرنسا مفاتحة المملكة العربية السعودية بموضوع المقايضة بين انتخاب رئيس «تيار المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية وتسمية السفير نواف سلام رئيساً للحكومة، وتعويل فريق السياديين على استمرار الرياض في تحفّظها على فرنجية كمرشح مدعوم من حزب الله.
وقد طلبت فرنسا من فرنجية ضمانات واستيضاحات حول الالتزام باتفاق الطائف وعدم تعطيل عمل الحكومة وحول تطبيق خطة الإصلاحات وما قصده بأنه يستحصل من حزب الله وسوريا على ما لا قدرة لغيره أن يحصل عليه؟ وهل يضمن التزام حزب الله بإعطائه ما يريد بعدما انقلب على مقررات الحوار الوطني في مجلس النواب ومن ثم على إعلان بعبدا؟ من المعلوم أن موافقة السعودية على مثل هذه المقايضة بعد تقديم الضمانات والاستيضاحات من فرنجية تعني أن فرنجية سيعبر الطريق إلى قصر بعبدا بأغلبية 65 نائباً في حال تأمّن نصاب الثلثين المحدد بـ 86 نائباً، لأن النواب السنّة المترددين الذين يدورون في فلك الرياض سيحسموا قرارهم ويصوّتوا لرئيس «المردة» ومثلهم سيفعل بعض النواب المستقلين. أما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي تربطه علاقة تاريخية جيدة بفرنجية والذي يطرح معادلة التخلّي عن ترشيح النائب ميشال معوض وترشيح فرنجية لصالح مرشح ثالث، فقد يدرس الموقف مع نجله رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط غير المتحمّس لخيار فرنجية ومعه عدد من نواب الكتلة، ويشددون على اختيار رئيس مقبول من القوى المسيحية الرئيسية وعدم فرضه عليهم فرضاً كما سبق وأعلن الزعيم الدرزي.
وتترك مقاربة «اللقاء الديمقراطي» ارتياحاً في الوسط المسيحي لأنها تأخذ بعين الاعتبار عدم إشعار أي فريق لبناني وخصوصاً الفريق المسيحي بأي تهميش لرأيه في استحقاق وإن كان وطنياً فهو يعني المسيحيين بالدرجة الأولى. من هنا طرح جنبلاط سلسلة أسماء بينها قائد الجيش العماد جوزف عون والوزير السابق جهاد أزعور والنائب السابق صلاح حنين وكذلك المرشحة مي الريحاني، وكلها أسماء غير مستفزة وتعتبر مقبولة من معظم الأطراف.
وفي مراجعة لوضعية بعض المرشحين المطروحين حالياً، يمكن اختصار الخريطة على الشكل الآتي:
-المرشح المعلَن ميشال معوض الذي أيّدته على مدى 11 جلسة كتل القوات اللبنانية واللقاء الديمقراطي والكتائب و«تجدد» وبعض النواب المستقلين والتغييريين، اعترض عليه الثنائي الشيعي الذي كان يُفقِد النصاب مع نواب «المردة» ولم ينل تأييد التيار الوطني الحر ولا «تكتل الاعتدال الوطني» وبعض النواب السنّة الذين ذهبوا في إتجاه التصويت لـ «لبنان الجديد».
-رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية المتريث في إعلان ترشيحه رسمياً في انتظار التوقيت المناسب يحظى بدعم الثنائي الشيعي حركة أمل وحزب الله وسنّة 8 آذار، لكنه يواجَه بفيتو شديد من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي اختلف مع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في مقاربة الملف الرئاسي، كما لا يحظى بتأييد لا القوات اللبنانية ولا نواب الكتائب ولا «اللقاء الديمقراطي» فيما النواب السنّة من قدامى «المستقبل» ينتظرون كلمة السر السعودية.
-قائد الجيش العماد جوزف عون يحظى بدعم خارجي وداخلي لكنه يصطدم بمعارضة الثنائي الشيعي. ويضع الرئيس نبيه بري أمامه عائق تعديل المادة 49 من الدستور فيما يبدي حزب الله حذراً من قائد الجيش ومن علاقته الوطيدة بالولايات المتحدة الأمريكية، كما لا يحظى قائد الجيش بتأييد الوزير باسيل الذي يعتبر البعض أنه إذا خُيّر بين فرنجية وعون يختار فرنجية. وسبق لباسيل أن اتهم قائد الجيش بمخالفة قوانين الدفاع والمحاسبة العمومية، وبأخذ بالقوة صلاحيات وزير الدفاع، والتصرّف على هواه بالملايين في صندوق للأموال الخاصة وبممتلكات الجيش. أما القوات اللبنانية فلا تمانع التصويت للعماد عون وكذلك «اللقاء الديمقراطي» ونواب مستقلون.
-الوزير السابق جهاد أزعور ورد إسمه في لوائح جنبلاط وباسيل وراعي أبرشية انطلياس المارونية المطران انطوان أبو نجم وهو يتمتع بخلفية اقتصادية ومالية ويشغل منصب مدير دائرة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي. وفيما يشير البعض إلى أن المرحلة تتطلب رئيساً لديه خلفية اقتصادية ومالية لانقاذ البلد والخروج من الأزمة، إلا أن آخرين يعتبرون أن أزعور غير قادر على صناعة التغيير المطلوب وعلى مواجهة الأزمة السياسية وقد يكون من الأنسب تعيينه حاكماً لمصرف لبنان.
-الوزير السابق زياد بارود ورد إسمه أيضاً في لائحة المطران أبو نجم وهو لا ينتمي إلى النادي السياسي بمعناه التقليدي، ويُعتبر خارج الاصطفافات الحادة. وقد تمكّن من نسج علاقات جيدة انطلاقاً من عمله مع منظمات المجتمع المدني ثم من تولّيه مهام وزارة الداخلية وإدارة الانتخابات النيابية والبلدية. وسبق أن صوّت 3 نواب لبارود في آخر جلسات انتخابية في المجلس النيابي أبرزهم نائب رئيس المجلس الياس بو صعب، لكن بارود يربط إعلان ترشيحه إذا رأى في هذا الإعلان خطوة إلى الأمام.
-المرشحة مي الريحاني هي أيضاً تأتي من خارج الاصطفافات السياسية ولديها علاقات بأكثر من طرف سياسي في الداخل وسبق أن واجهت انطلاقاً من مسؤولياتها في منظمات دولية تحديات ناجحة في عدد من الدول، وهي حدّدت هدفاً لترشيحها إنقاذ الكيان واستعادة الدولة وحماية هوية لبنان وتثبيت مرجعية الدولة. ولعل الريحاني من أوائل المرشحين الذين يعلنون ترشيحهم رسمياً وهي بقيت حاضرة على الساحة الإعلامية والسياسية خلافاً للسفيرة السابقة ترايسي شمعون التي هي أيضاً أعلنت ترشيحها رسمياً. وقد تكون مي الريحاني وزياد بارود ضمن الخطة «ب» لعدد من الأطراف في الوقت المناسب.
-النائب نعمة أفرام راغب في خوض الاستحقاق الرئاسي وهو قام بجولة اتصالات مع المعارضة وأطراف السلطة لاستكشاف امكانية دعمه في حال تراجع حظوظ ميشال معوض. ولا يُعتبر أفرام مرشح تحد في نظر كثيرين وهو رجل أعمال ناجح ويَعِد بأن يكون مرشّحاً إصلاحياً لرئاسة الجمهورية، ويحمل مشروعًا إنقاذيًّا جامعًا للبنان.
-النائب ابراهيم كنعان وهو أمين سر «تكتل لبنان القوي» الذي يرأسه باسيل، وقد ورد إسم كنعان في لائحة المطران أبو نجم انطلاقاً من المواصفات التي يتمتع بها كنعان كرئيس للجنة المال والموازنة وكشريك للنائب ملحم الرياشي في صياة المصالح المسيحية بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر قبل أن يسقط اتفاق معراب في وقت لاحق. ويُلاحظ ابتعاد كنعان في الآونة الأخيرة عن السجالات، ولكن يبقى السؤال هل يتبنّى باسيل ترشيح كنعان فيتحوّل إلى مرشح جدي وينقذ التيار من الإحراج أمام حزب الله بسبب اعتراضه على ترشيح الثنائي الشيعي لفرنجية؟
يبقى أن التركيز في المرحلة المقبلة سيكون على قاعدة اختيار مرشحين غير مستفزين وقادرين على الإنقاذ وعلى إعادة التوازن الوطني ووقف الانهيار المالي والاقتصادي والانفتاح على الدول العربية والخليجية لاستقطاب الدعم والاستثمارات وتوفير مظلة للعهد الجديد، فهل يساعد الاتفاق السعودي الإيراني على تحقيق هذا الهدف أم سيطول الانتظار إلى حين اختيار من لا يقف على مسافة واحدة بين الدولة والدويلة وبين من يريد تطبيق الدستور وبين من يريد مواصلة الانقلاب عليه؟