كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
يخطئ من يعتقد بأن الخلاف على بدء التوقيت الصيفي في لبنان كان وراء ارتفاع منسوب الاحتقان الطائفي والمذهبي الذي بلغ ذروته، قبل أن يبادر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى تصويب البوصلة بإعتماد التوقيت المعمول به عالمياً. وإنما جاء نتيجة تراكم الأزمات، كما يقول مصدر سياسي بارز لـ«الشرق الأوسط، ما أدى إلى تظهيره للعلن لتمرير رسائل سياسية لمن يعنيهم الأمر في الداخل والخارج بأنه من غير الجائز تخطي المسيحيين بتعديل المرسوم الخاص بالتوقيت بقرار يصدر عن ميقاتي من دون العودة إلى مجلس الوزراء لئلا ينسحب لاحقاً على قضايا أخرى في ظل تعذر انتخاب رئيس للجمهورية، للإيحاء بأن الأمور طبيعية في غياب الرئيس.
فالاحتقان لا يعود، كما يقول المصدر السياسي، إلى الخلاف حول التوقيت، وإن كان البلد في غنى عنه ولا يستأهل حجم ردود الفعل بخروج بعضها عن أصول التخاطب المألوف بين السياسيين، بل إلى وجود شعور لدى المكوّنات المسيحية، ومن موقع الاختلاف بين قواها السياسية، بأن هناك من يتقصّد تجاهلها، في إشارة مباشرة إلى عدم شمولها باللقاءات التي عقدتها مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف خلال زيارتها لبيروت وكادت تقتصر على بري وميقاتي وعدد من النواب المنتمين إلى الطائفة السنّية، لو لم تشمل وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب.
فباسيل كان وراء حقن النفوس، في محاولة مكشوفة لشد العصب المسيحي لإقحامه في مزايدة شعبوية يُفترض أن ترتد تداعياتها، كما يقول المصدر السياسي، على من أطلقها، خصوصاً أن الرد عليه جاء هذه المرة من قبل أهل البيت بلسان نائب رئيس المجلس النيابي إلياس بو صعب برفضه لكل ما أورده باسيل في خطابه السياسي في تعليقه على الخلاف على قرار التوقيت.
كما أن انسياق البعض وراء ردود الفعل أتاح لمواقع التواصل الاجتماعي الدخول على خط التصعيد بدلاً من إفساح المجال أمام إعادة النظر في القرار الصادر عن ميقاتي، بعدما أبدى باتصاله مع البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي استعداده للبحث عن مخرج من شأنه أن يوقف التمادي في حقن النفوس بعد أن أحجمت معظم القيادات الإسلامية، سواء أكانت روحية أم سياسية، عن الدخول طرفاً في السجال.
وعليه، فإن الغلبة لردود الفعل، بحسب المصدر السياسي، كانت من جانب واحد، خصوصاً بعد مبادرة رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، أثناء وجوده في باريس فور اشتعال ردود الفعل، إلى التدخل ناصحاً ميقاتي ومعه رئيس المجلس النيابي نبيه بري باستيعاب التأزّم وإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي.
وجاء تدخل جنبلاط من خلال أمين سر «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن، بالتلازم مع تدخّل زميله النائب وائل أبو فاعور، الذي كان في عداد وفد الحزب «التقدّمي» إلى باريس، فيما بادر الرئيسان فؤاد السنيورة وتمام سلام إلى ملاقاتهما للجهود الجنبلاطية بلقاء ميقاتي.
لكن اللافت في ردود الفعل كان في إصرار حزب «القوات اللبنانية» على التمايز عن باسيل الذي كان، بحسب المصدر السياسي، وراء تأجيج الاحتقان من خلال ناشطين تابعين لـ«التيار الوطني» عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وتطويق الخلاف لن يحجب الأنظار، كما يقول المصدر السياسي، عن استحالة الوصول إلى تفاهم حول التوقيت السياسي المطلوب لإخراج إنجاز الاستحقاق الرئاسي من التأزم لتفادي العواقب الوخيمة التي يمكن أن تصيب البلد في ضوء الإنذار غير المسبوق الذي صدر عن وفد صندوق النقد الدولي في ختام زيارته لبيروت التي لن تتكرر في المدى المنظور إلا في حال توصل النواب إلى انتخاب رئيس للجمهورية.
لذلك، فإن ما جرى من تصعيد سياسي، ولو من جانب واحد، تسبب به الخلاف حول التوقيت، يؤشر إلى أن معظم المكونات المسيحية أرادت أن تُعلم من يهمه الأمر بأنها ستقاوم أي محاولة يراد منها فرض رئيس للجمهورية لا يحظى بتأييد واحدة من الكتل النيابية المسيحية الوازنة من جهة، واستباقاً لمنع استغلال الفراغ الرئاسي من قبل حكومة تصريف الأعمال باتخاذ قرارات بغياب الرئيس تتعلق باستحقاقات داهمة في حال امتد الشغور الرئاسي إلى ما بعد تموز المقبل، وهو موعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، رغم أن ميقاتي ينتظر بفارغ الصبر انتخاب الرئيس، وهذا من مسؤولية البرلمان.
لكن طي صفحة الخلاف لا يعني أن البلد بألف خير، طالما أنه يغرق في انهيار شامل في ظل انقسام الكتل النيابية، ما يعيق التدخل الدولي والإقليمي لتقديم المساعدة المطلوبة كي لا يتمدّد الشغور الرئاسي إلى أمد طويل.
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن باريس أكدت، بحسب مصادر دبلوماسية، أن الهدف من اقتراحها مقايضة انتخاب زعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية بتكليف السفير السابق نواف سلام برئاسة الحكومة، يكمن في رمي حجر في المياه الرئاسية الراكدة لتحريك التواصل بين النواب الذي من دونه ستتجه الأمور إلى تمديد تعطيل جلسات الانتخاب، وبالتالي ليس صحيحاً أنها تسعى لفرض مرشح معين بخلاف الإرادة النيابية.