كتب بسام ضو في “اللواء”:
الأزمة اللبنانية هي نقطة تحوُّلْ حرجة في حياة الجمهورية اللبنانية، وهي تهدِّد مصالحها وتتحوّل تدريجياً نحــو إنهيار دراماتيكي سياسي – أمني – إقتصادي – مالي – إجتماعي – صحّي – تربوي، وهذه الأزمة تهديد للقيم والأهداف والمصالح لشعب لبنان، وعلى ما يبدو ليست محدودة الوقت وتكثُر فيها عناصر المفاجأة بحيث تتصاعد الأحداث ويَصعَب حلّها تدريجياً بسبب تشابكها وتفاعل عواملها على المستويات المحليّة والإقليمية والدولية بسبب إرتباطات اللاعبين على المسرح السياسي اللبناني بهؤلاء.
تعدّدتْ أسباب وعوامل الأزمة اللبنانية وذلك لتعدُّد التداخلات والصراعات ولضعُف ذهنية اللاعبين على المسرح السياسي اللبناني والذي هم أشبه بِدُمى تحرِّكها مصالح غريبة عن أرض الوطن، عملياً واقع الأزمة اللبنانية يشي بتباين القيم السياسية الأخلاقية والذي يؤول إلى تنافــر أيديولوجي غريب عن منطق الدستور اللبناني الذي يُكرِّس الديمقراطية وبذلك تتضح معالم الصراع القائم حيث يتُّم فرض منظومة سياسية بعيدة كل البُعد عن النظام الديمقراطي والفِعْلْ السياسي السليم المبني على مناهج العلوم السياسية الحديثة والتي تُدرّس في أحسن الجامعات سواء أكان في لبنان أو في مشرقنا أو في العالم الغربي.
الأزمة اللبنانية وبناءً على ما يوصّفها علماء السياسة والمحللين والباحثين هي «مصيبة ونكبة وفاجعة وضيق وفقر وبطالة وهجــرة منظّمة…» وهي تعني لحظات حرجة ونقطة تحوّلْ نحــو الإنهيار التي تتعلق بمصير الجمهورية والشعب اللبناني وتهدِّد بقائهم وتتميّزْ بالحدّية، كما ونقلاً عن أحد الباحثين «هذه الأزمة تتطلب مهارة عالية لإدارتها والتصدّي لها ولكن لا يوجد فريق عمل متحرر على المستوى اللبناني لحلحلتها وفقاً للدستور الذي شُّرِّعً بعد الطائف».
حضرتُ ندوة أقامها «المركز اللبناني للأبحاث والتوثيق» عن واقع الأزمة اللبنانية حيث تمّت الإشارة إلى العديد من الأسباب في هذه الأزمة السياسية وهي مكوّنة من شق داخلي وشق خارجي بإمتياز وتعارُض الأهداف والمصالح وتتمثل فعليًا في العديد من الأبواب أذكر منها على سبيل المثال ولا الحصر ما يلي من الأبواب الرئيسية أولاً – هناك سوء إداراك وفهم عند المسؤولين اللبنانيين وهذا أمر يؤكد أنّ الذهنية السياسية لمن في يدهم سلطة قرار مقيّدة تنقصهم المعلومات الدقيقة ويتسرّعون في إتخاذ القرارات. ثانياً – عدم إستيعاب المعلومات بدقة وهذا الأمر يشترط لإتخاذ القرارات السديدة حيث أنّ الخطأ في إدراكها وتداخل الرؤية سيكونان سبباً لنشوء أزمات عنيفة الشدّة كالتي تحصل اليوم على أرض الواقع. ثالثاً – سوء التقدير والتقييم وهو من أكثر الأسباب التي تُنشأ الأزمات وخاصة في حالة الإصطدام العسكري ولا حاجة لتذكير الرأي العام بأحداث عسكرية حصلتْ وإنعكستْ سلباً على واقع السيادة الوطنية وعلى الإقتصاد الوطني. رابعاً – الإدارة العشوائية والإرتجال السخيف وهنا تكمن مراحل الخلل بما يحمل رغبات المسؤولين الصُوريين عندنا على رغبات الإبتزاز ومحاولة إتخاذ القرارات تحت الضغوط وإستغلال التصرفات الخاطئة كما إنني لا حاجة لتذكير القُرّاء الكرام على موضوع الإستحقاق الرئاسي وما يُرافقه من مواضيع أثرتُ عناوينها للتوّْ، وهذا فيض من غيض.
في علم السياسة يبرز عامل مهم ألا وهو إنّ فعل سياسة البشر أو إذا جاز التعبير «إدارة الشعوب» هي من أجِّل وأدق المسؤوليات وليس كما يُشاع «فن الممكن»، فالأزمات في الدول تتطلب عقلاً رجيحاً ومنطقاً صحيحاً لإدارة تلك الأزمات وترشيدها وتحويل الخلافات إلى طاقات خلاّقة للبناء وليس للهدم. بصفتي متخصص في الشؤون السياسية أرغب في إيصال مبدأ جوهري عن علم السياسة للقٌرّاء الكرام مفاده «إنّ إختصاصات علم السياسة تجمع بين العديد من العلوم والمقاربات المعرفية التي توفِّرْ لأي باحث سياسي ولأي مواطن شمولية في الفكر وعمقًا في التحليل، وتعدُداً في المقاربات العلاجية وتفاعلاً مع الأحداث وطريقة إدارتها علمياً…».
إننا نعيش في مرحلة متشعبة من الأزمات والصراعات الكبرى والمصالح المتعارضة في عالم سياسي هامشي لا مكان فيه لدولة سيّدة حرّة ديمقراطية، ولا إحترام لأي إنقسام موضوعي في الرأي، وللأسف إننا نعيش في وضع ذي إتساع همجي دكتاتوري فوضوي، يمتّد ويتطوّر وتزداد مصالحه على حساب مصلحة الجمهورية والشعب يوماً بعد يوم وتتعارض، وعلى قدر إتساعها وإزديادها وتعارضها كانت الأزمة اللبنانية بتنوّعاتها المتزايدة.
ثمّة فرق كبير أن نبقى خاضعين للتحليلات الإعتباطية والمواقف الشخصية المعلّبة المسبقة التي ينتهجها ممارسو السياسة عندنا ومن الصعب علينا في هذه المرحلة إعتماد شرحاً تفصيلياً أن نشرح لساسة اليوم عن أخطائهم الجمّة والخطيرة بحق الشعب والجمهورية ونرى أنفسنا نغوص في جدل عقيم بدلاً من الخروج من الأزمات التي أدخلونا فيها، هناك قصور فكري على مستوى الأشخاص الذين يُمارسون العمل السياسي في لبنان، وإذا لم نتحرك ونضع إطاراً علمياً ضمن إطار توافق لأجندات بحثنا السياسي العلمي فسنبقى ندور في تبعية أخطر وأعمق ممّا نحن عليه وأخلص لأسأل القارئ الكريم: هل هناك حل موضوعي للأزمة اللبنانية؟