كتبت ندى الملّاح البستاني في “الجمهورية”:
هكذا، كاد لبنان، البلد ذو المساحة الجغرافيّة الصغيرة، والاتّساع الضئيل على خطوط العرض، أن يكون صاحب منطقتَين زمنيّتين. وإن كانت بعض الدول تعرف توقيتَين أو أكثر بسبب الاتّساع الجغرافيّ، إلّا أنّ لبنان يعيش حالةً من الاتّساع «الطائفيّ»! فالمؤسسات والأحزاب الإسلاميّة رحّبت بالإبقاء على التوقيت الشتويّ لأنّه يُخفّف من حدّة فترة صيامهم. في حين انتفض المكوّن المسيحيّ في البلد، الّذي يعيش أيضًا فترة الصوم الكبير، بما فيه من طقوس دينيّة.
من ناحية علميّة بحتة، نجد أنّ التوقيت الصيفيّ مجرّد تقديم عقارب الساعة مدّة 60 دقيقة مع اقتراب الطقس الأكثر دفئًا للاستفادة من نور الشمس، وهو يختلف إلى حدٍّ ما من بلد إلى آخر، ولا تلتزم به بعض البلدان. كذلك، نجد أنّ سوريا، اعتمدت التوقيت الصيفيّ طيلة فترة السنة، في حين أنّ مصر عادت إليه بعد أن ألغته العام 2016.
تاريخيًّا، إقترح جورج هدسون، العالم النيوزيلنديّ، العمل بهذا النظام للمرة الأوّلى في العام 1895. بعدها، انتشرت فكرة التوقيت الصيفيّ في بلدان أخرى، خصوصًا لتوفير الطاقة والحفاظ عليها، الأمر الّذي كان مصدر قلق في أثناء الحرب العالميّة الأولى وبعدها، فلجأت إلى التقليل من الاحتياج إلى الضوء الاصطناعيّ.
ما كان افتراضًا شائعًا قبل حوالى القرن، ما زال الهدف الأساسيّ إلى يومنا هذا وراء تغيير التوقيت، إذ يتوافق اليوم مع أهداف التنمية المستدامة للعام 2030 بحسب خطّة الأمم المتّحدة. وبحسب دراسات كثيرة يحقّق زيادة معدّلات السعادة، وخفض معدّلات الجريمة، وتقليل استهلاك الطاقة، والتقليل من حوادث السير.
على الرغم من هذه المنافع، لا يزال التوقيت الصيفيّ موضوعًا مثيرًا للجدل. فينتقد بعضهم «علميًّا» هذه الممارسة الّتي عفا عليها الزمن، الّتي لم تعد تخدم غرضها الأصليّ، مع تقدّم التكنولوجيا، وتغيير سلوكيّات الحياة بشكلٍ عامّ منذ مئة سنة… إذ تشير بعض البحوث إلى أنّ هذه الممارسة ترتبط بزيادة خطر الإصابة باضطرابات معرفيّة وعقليّة، وقد تصل إلى أمراض في الجهاز الهضميّ وأيضًا القلب، وعدم توافقه مع الساعة البيولوجيّة الطبيعيّة لدى الإنسان، الّتي تتبع دورة الضوء والظلام على الأرض. اقتصاديًّا أيضًا، لاحظ مستثمرون ورجال أعمال، أنّ العمل بهذا التوقيت قد قلّل من معدّلات الإنتاجيّة لدى موظّفيهم.
وبعيدًا من التجاذبات، وجب على المسؤولين التمييز بين «الحكم» والحوكمة الرشيدة. فمن حيث التعريف، نجد أنّ الحكم بتطبيقه السلبيّ، هو حكم أصحاب النفوذ والسلطة، وعادةً يتمّ ضمن مجموعة معيّنة من القواعد، والقوانين. لكنّ الواقع اللبنانيّ، يذهب بمفهوم الحكم، إلى الزعامات، والتبعيّة الدينيّة، الّتي تُضفي على كلّ «طبخة» نكهة طائفيّة.
إنّ النقاش حول جودة الحوكمة قد خيّم عليه عدد كبير من التعاريف المتباينة قليلًا وفهمه على أرض الواقع. ففي أماكن مختلفة، ارتبطت الحوكمة الرشيدة، بالديمقراطيّة والحقوق المدنيّة، والشفافيّة، وسيادة القانون، والخدمات العامة الفعّالة. وتشتمل آليات ضمان الحوكمة الرشيدة ثلاثة عناصر رئيسيّة بحسب تقارير التنمية الصادرة عن صندوق النقد الدوليّ: القواعد والقيود الداخليّة، والإدلاء بالصوت والشراكة، والمنافسة. فأين الحكومة اللبنانيّة من كلّ ما ذُكِر؟ ومتى تُغيّر «زمن التسلّط»، ولو ساعة واحدة إلى الأمام؟
وفي وجه من يرغب أن يأسر الشعب في الماضي، ويسيطر عليه عوضًا عن إدارته برشدٍ وحكمة…يمكن أن نتساءل: أليس من الحريّ بدل أن نتجادل ونتخاصم بشأن تغيير عقارب الساعة إلى الأمام أم لا، أن نتطلّع إلى حلول محتملة لمشاكلنا الرئيسيّة؟ أوليست هذه الساعة الّتي سنقدّمها «وقتًا» إلى الأمام، إنّما قد تُعيدنا «أزمنة» إلى الوراء، بتبعاتها من هدرٍ، وتخلّف، وشدّ طائفيّ؟ وأين مواقفنا الواضحة من تصرّفاتنا تُجاه الاستدامة، والأثر البيئيّ، والسلامة العامّة، الّتي هي من أُسس الحوكمة الرشيدة، والّتي تُقدِّم لبنان إلى الأمام، ولا تؤخِّره عن ركب الدول المتطوّرة.