كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
لم تبدّد زيارة المرشح الرئاسي سليمان فرنجية الغموض الذي يكتنف مصير رئاسته. تحرك فرنسا هو محاولة رمي حجر في مياه الرئاسة الراكدة لكنه لا يحدد هوية الرئيس العتيد. فرنسا التي لم تقطع تواصلها مع المملكة السعودية ترغب في لعب دور الوسيط بينها وبين فرنجية الذي إن لم يحظَ بالتوافق فسيتم الإنتقال إلى مرشح آخر.
وكوسيط وحيد مع السعودية، قصدها فرنجية لعرض تصوره حيال ترشيحه. وضع ما لديه في عهدتها لتأتيه بالجواب الفصل من المملكة. فيما رشح أنّ فرنجية أراد استطلاع الجو السعودي تجاه ترشيحه من الفرنسيين الذين سبق واستضافوا الإجتماع الخماسي تلاه إجتماع ثنائي سعودي- فرنسي، أكمل فرنجية في فرنسا ما سبق وبدأه في لبنان. تقول المعلومات إنّ جهات دولية معنية بالإستحقاق الرئاسي سبق وطرحت على فرنجية مجموعة أسئلة لها علاقة ببرنامج عمله ورؤيته السياسية لعدد من الملفات، أولها والأهم موقفه من الإستراتيجية الدفاعية والعلاقة مع سوريا ورئاسة الحكومة وشكل الحكومة المقبلة وإطلاق يدها للعمل، لا سيما في موضوع الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد. وبالتالي زيارته إلى فرنسا وردت في سياق متابعة الإطلاع منه مباشرة على المعطيات التي بنى عليها ترشيحه.
طوال فترة وجوده في فرنسا أحاط فرنجية زيارته بالتكتم. كان «رئيس المردة» يكتفي بالقول لمستفسريه إنّ الأجواء جيدة وإيجابية، وعُلم أنّ لقاءاته لم تقتصر على المستشار الرئاسي باتريك دوريل بل شملت مسؤولين آخرين.
في الأساس يعلم دوريل أنّ ترشيح فرنجية يصطدم في لبنان بمعارضة قوية تعدّت القوى المسيحية، وهو كان استمع من رئيس «الإشتراكي» وليد جنبلاط الذي التقاه قبيل وصول فرنجية إلى ضرورة الإنتقال الى مرشح بديل لإستحالة انتخابه. آخرون تحدثوا عن محاولة فرنسية أخيرة للإتفاق معه على برنامج عمله الرئاسي ليكون بمثابة ضمانة لمعارضي وصوله كالسعودية وحلفائها.
نصح جنبلاط الفرنسيين بالإستفادة من فرصة توقيع الإتفاق الإيراني السعودي واقتراح اسم مرشح يحظى بقبول السعودية ولا يستفز الإيراني أو بالعكس، وحين سأل عما إذا كان لديه اسم يقترحه أعاد التذكير باللائحة التي سبق وأعدها، وضمنها يندرج أسماء قائد الجيش جوزف عون والوزير السابق جهاد أزعور والنائب السابق صلاح حنين. في رأي جنبلاط أنّ السعودية لن ترضى بترشيح فرنجية وإن فعلت فإنّ حلفاءها في لبنان لن يرضوا به رئيساً، والأفضل الإستفادة من مرونة الإيراني لتسليف السعودية والتعاون معها بما يعزز إمكانية طرح مرشح وسطي بين الطرفين.
قدر فرنجية أن يتكرر سيناريو ترشحه مجدداً مع فارق أدوار اللاعبين. قبل انتخاب ميشال عون، بات فرنجية ليلته في فرنسا على أنه الرئيس المؤكد للجمهورية في لبنان. بحثت معه دوائر الإليزيه في الضمانات التي سيقدمها وأعطى إلتزامات في ملفات عدة، إلا تلك المتعلقة بـ»حزب الله». كان مرشحاً بتقاطع سعودي – غربي، لكن خيارات «حزب الله» كانت في مكان آخر فسُحب بساط الرئاسة من تحت قدميه في الدقائق الأخيرة. الواقع معكوس اليوم. هو مرشح الثنائي وحوله معارضة إقليمية دولية. نقطة الأمل الوحيدة إتفاق السعودية مع طهران، لكن ماذا عن جدار المعارضة المسيحية؟
لم يعد بإمكان «حزب الله» التعويل على مرونة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بعد أن صار خلافهما على منابر الخطباء. ما قاله نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم بحق باسيل حديثاً، ولو لم يسمّه، يشكل تحولاً كبيراً في العلاقة التي صارت أقرب إلى الخصومة منها للتحالف. أمّا موقف «القوات» فحسمه رئيسها سمير جعجع «عالقصر ما بتفوتوا». وعلى ما يبدو فقد بدأ نضوج فكرة لقاء قواتي مع «التيار الحر» في سياق صيغة لا تشبه صيغة إتفاق معراب القديم، بل أشبه بتفاهم على قلب الطاولة في مواجهة مرشح لا يحظى بموافقة المسيحيين. حصول مثل هذا التوافق يعد بمثابة الضربة القاضية.
لكن حلفاء فرنجية يرون أنّه من السابق لأوانه قطع الطريق عليه. وتقول مصادر الثنائي الشيعي: نحن أمام مسار تراكمي له أطراف عديدة لم تدعُ فرنسا فرنجية للإعتذار منه وإلا لكانت أبلغته وهو في لبنان. وتكشف أنّ هناك أطرافاً معنية وجهت أسئلة الى فرنجية في لبنان تتعلق بالإستراتيجية الدفاعية والزيارة إلى سوريا تم إستكمالها في باريس مع ضمانات معينة مطلوب تقديمها.
وتستدرك المصادر قائلة إن بداية المسار لا تعني تحسن ظروف إنتخابه لأن الإتفاق صعب للغاية لوجود تبدلات في الموقف السعودي وتغيير في إستراتيجية التعاطي، اللهم إلا إذا تدحرجت كرة الايجابية واعتبر السعودي أنّه لا يريد أي مكتسبات من لبنان مقابل أن يأخذها في أماكن أخرى. فهل يفعلها ويبتعد السعودي عن لبنان ويستبدله بأوراق أخرى أكثر أهمية؟ من السابق لأوانه حسم الإجابة.
تبلّغت السعودية رغبة فرنسا التفاهم مع فرنجية والإستماع إلى طروحاته ومفاتحته بشأن ضمانات تجعله مرشحاً مقبولاً منها. لكن الضمانات ليست موضوعاً سهلاً من ناحية الإلتزام، خصوصاً حين يتعلق الموضوع بـ»حزب الله» وسلاحه وعودة النازحين السوريين وتشكيل الحكومة وغيرها من الملفات البالغة الحساسية. أي أنّ فرنجية عليه أن يبحث مثل هذه الضمانات مع الجهة التي تؤيد ترشيحه، فهل هي مستعدة لتوقّع له على بياض؟
ولذا يفترض أنّ أولى محطاته وضع الثنائي في تفاصيل مباحثاته مع الفرنسيين في سياق جولة على الأحزاب والتيارات السياسية قبل أن يحسم مصير ترشيحه. في المرة الماضية عاد من فرنسا للقاء «حزب الله»، فهل يفعلها اليوم أم يكتفي بلقاء رئيس المجلس نبيه بري ليضعه في جو ما سمعه؟
أخرجت فرنسا الملف الرئاسي من سباته لكن النتائج المرجوة رحلت إلى ما بعد عيد الفطر حيث يبدأ الكلام الجدي في الأسماء. وبغض النظر عما يعلنه وما يؤكد عليه، فإنّ «حزب الله» يلمس حجم الفيتو على فرنجية واستحالة طرحه لأنه موضع رفض محلي، اللهم إلا إذا نجح الفرنسي في إعداد طبخة رئاسته وهذا مستبعد لوجود أكثر من لاعب دولي وإقليمي لم يحسموا موقفهم بعد، أهمهم السعودي.
يدرك الثنائي صعوبة الوضع ويستعد للتنازل لأجل حليفه بما يتوافق وإتفاق إيران مع المملكة، وإلا تقول مصادر سياسية تدور في فلك الثنائي، الإمكانية ساعتئذ واردة للذهاب نحو اسم من خارج التداول، كله يكون حائزاً على شروط تطمئن «حزب الله» وترضيه أو بالعكس.