كتبت مرلين وهبة في “الجمهورية”:
بَدا رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل مرتاحاً بعد لقائه الموفد القطري الذي صودِف ان التقيناه أثناء مغادرته مقر «التيار» في سنتر ميرنا شالوحي. وعلى رغم من البسمة التي لم تفارقه اثناء اللقاء وارتياحه وتماسكه طوال الجلسة الا انّ باسيل في الشكل بدا انه فقد كثيرا من وزنه لكن هذا لم ينعكس مطلقاً على إدراك وقدرة استيعاب فائقة لكافة الملفات، فذهنه حاضر وبسهولة يسترجع تفاصيل وتواريخ مفصلية في مسيرة حياته السياسية وفي تاريخ لبنان، فكان كلما «شَطحنا» يستوقفنا ليذكّرنا باقتراحاته لو أخذ بها…
ولأننا بدأنا من حيث غادر الموفد القطري بدأ باسيل من هنا ليثبت لنا كيف ان لبنان يبرع في تضييع الفرص، ومن الفرصة القطرية التي اضاعها لبنان يبدأ باسيل بالتعداد… وذكر انه عندما أبدى القطريون رغبتهم بالمساعدة وليس فقط على صعيد الرئاسة بل في التسعينات عندما فازوا بمناقصة غاز لا علاقة لنا بها، فازوا بها بجدارة كشركة («قطر اينرجي») وكانت لتوفّر على لبنان مليار دولار في السنة، «الا ان الشباب ألغوا المناقصة لأنّو ما طلعلن commission».
وبالعودة الى مهمة الوفد القطري كشف باسيل ان الوفد القطري اكد ان لا مرشحين لديهم بل هم مع فكرة البرنامج وخريطة الطريق والمشروع المتكامل رئيس جمهورية ورئاسة حكومة وخطة إنقاذ، وهم لم يطرحوا اسماء ولم يدخلوا في مقايضات بل قدموا تصورهم الذي يقضي بوجوب انتخاب رئيس للبنان… لكن المقاربة مختلفة بالنسبة لباسيل الذي يرى ان انتخاب الرئيس لا يحل المشكلة». ويصرّ باسيل على تذكيرنا والاسترسال في تفنيد الفرص الضائعة ويقول: «منذ متى دعونا الى عودة سوريا الى الحصن العربي وقامت القيامة علينا والجريمة الكبرى التي ارتكبتها حكومة ميقاتي هي في السماح لانتشار النازحين في لبنان»، مذكّراً بِطرحه عندما قال بوجوب «التمييز بين النازح الفعلي وبين النازح الاقتصادي». ويسأل: ماذا يمنع الحكومة اليوم من اتخاذ قرار بمنع دخول السوريين غير النازحين؟ ومنذ متى ندعو الى تفاهم خليجي ـ ايراني ولبناني ـ خليجي ولبناني ـ سوري؟».
لا يحقد باسيل على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بل يعتبره «مهضوم» في الشخصي»، انما في رأيه «قصة الساعة فضَحته وانكشف انه ليس المُقَرِّر ويبقى أداة ليس إلاّ… اختار سياسات لا تليق به ومخالفات جسيمة لا تليق به ايضاً».
وعن علاقته مع الثنائي الشيعي يكشف باسيل انها مجمّدة «لأننا نتكلم بمقاربتين مختلفتين لذلك «ما التقينا». لا نريد الرئاسة ولكن لن نسير بمرشح يفاقم الازمة… انا لا اعمل صبياً عند احد بل اعمل عند لبنان والتيار الوطني الحر».
ومن وحي بكركي يعتبر باسيل «ان ما يعوّض التمثيل المسيحي هو اتفاق المسيحيين الاقوياء الذين لديهم حيثية مسيحية على اسم مرشح فيَقوى بهم».
وعندما نقول له ان الحوار يستلزم تنازلات، ونسأله ما هو التنازل الذي قدمته ؟ يجيب: «قدمت تنازلا كبيرا وهو عدم ترشحي»، اما اذا لم يلتزم المعنيون من حلفاء وخصوم بالبنود الاربعة فسندعو للعودة الى الشارع.
• ونسأله: ألا تخشى من ان تكون الضحية للتسوية الكبرى القادمة على المنطقة؟ أم لديك حسابات أخرى وتخبئ ورقة رابحة ما في مكان ما؟
– أولاً، ارى انه من الجيد الاقرار بأهمية ان يعمّ الاستقرار والهدوء في المنطقة، أما كلمة التسوية فلا اعلم لماذا نحن دائما لدينا خوف من ان تكون على حسابنا ونخاف منها، انا مع التسوية التي ستخفف التوتر خصوصاً اذا كان طابعها عربي ـ عربي او سني ـ شيعي لأن انعكاسه جيد على لبنان، اما الشق الثاني فأقل أهمية، اي ان تكون تلك التسوية على حساب لبنان او فريق في لبنان فهي لن تعيش ابداً.
والسؤال ليس إفادتي او عدم افادتي منها، ونذكر بنتيجة التسوية التي خاضها اللبنانيون في 2005 ونسأل هل كانت خيراً على لبنان أم بدأ الدين يتفاقم ؟ ولذلك اقول انا مع التسوية والعمل على ان يكون انعكاسها جيداً على جميع اللبنانيين وكل لبنان، اما التسوية التي تخلّ بالتوازنات الداخلية فمصيرها الفشل. واذا كنتُ انا الضحية لن تعود تسوية لشراكة ولا أنكر ان هناك اطرافاً يسعون الى إقصائنا ليضعونا خارج الحل. وجوابي انهم لن يستطيعوا واذا اعتبروا انهم نجحوا فلن نخرج سوى اقوياء، والبلد لن يستطيع السير من دون اصلاح، فإذا كرروا الخطأ سيفشلون كما فشلوا في حكومة 2005 وفي الحلف الرباعي، واذا فعلوها سنواجههم وسيفشلون ايضاً».
* لكنهم حلفاؤك! الا تعتقد انك أخطأت في التوقيت عندما أعلنت انفصالك «بنحو غير مباشر» عن «حزب الله» وقد يكون الاقصاء القصاص ؟
– أولاً، انا أقف ضد خيارات اتخذها الحزب، وثانيا اكون مسروراً اذا ما قاصَصوني «مش اول مرة حدا بيقاصصني، معَوّد». وكلمة واحدة اقولها في هذا السياق: لن اكون صبياً عند حَدا ولن أعمل لأي فريق بل اعمل عند لبنان و»التيار الوطني الحر» واتقبّل القصاص بفرح وغبطة.
• أنت تعلم ان الحوار يتطلب تنازلات. عن ماذا تنازلت لكي تسهّل النتيجة المرجوة من الحوار؟
– أكبر تنازل قدمته هو عدم ترشحي وانا الذي امثّل حيثية مسيحية كبيرة وارى ان المسيحيين يجب ان لا يقبلوا بأكثر من ذلك، بمعنى انه اذا اراد البعض ان يفرض على المسيحيين اسماء من خارج خياراتهم واقتناعهم فلا يجب ان يقبلوا، اما الفريق الآخر فيكون بذلك يُعيد الخطأ نفسه الذي ارتكبته في الـ 1990 ولن ينجح. فالبلد لن يقوم من دوننا ومن دون الفكر اللبناني ومن دون اي مكوّن سني شيعي او درزي، لا احد يستطيع إلغاء اي مكوّن من جذور لبنان، فلبنان لا يحمل إلغاءات.
• نستنتج بحسب حسبتك وتحليلك انه يمكن اعتبار انّ سمير جعجع قدّم ايضا تنازلا كبيرا بعدم ترشيحه في اعتبار انه يمثّل ايضا حيثية شعبية مسيحية كبيرة ؟
– طبعاً، ويجب ان نكون موضوعيين. جعجع اليوم يمثّل حيثية شعبية وبالمعنى التمثيلي نعم جعجع قدم تنازلاً بعدم ترشحه.
نُقاطعه: اي انك تعني انك ستؤيّد ترشّحه في حال أقدَم على الترشح؟
– لا أؤيده ولن يؤيدني. هذا جزء مما طرحت عندما قلت: تعالوا لنجلس ولن نتفق على قاعدة عامة اي نؤيّد معاً الاول بين المسيحيين او الثاني، او نتفق على الانتخاب على دورتين من الشعب، الا انهم لم يوافقوا.
• ماذا تريدون بعد من الرئاسة وقد أوصلتكم الى ما وصلتم اليه؟
– ليس صحيحاً اننا نريد الرئاسة، فأنا قلت في كلمتي ان التيار اتخذ قرارا بعدم الترشح، لذلك لم اترشح وقررنا عدم الدخول في معركة رئاسية ونحن لا نريد ان نكون سبباً في الفراغ ونحن تنازلنا عن اسماء كثيرة ولدينا مرونة بالموافقة على اسماء عدة، الا اننا اذا وجدنا ان هناك خياراً سيئاً للبلد بنتائجه فهل نسير به؟
• الى هذه الدرجة ترون أنّ سليمان فرنجية خياراً سيئاً ؟
– هناك اسماء اخرى في البلد غير سليمان فرنجية، ونحن قلنا لا لمعوض ايضا والموضوع مع فرنجية ليس شخصياً، علماً ان معوض كان معنا في التكتل وقلنا له لا، وعلماً انني شخصياً لديّ مصلحة في وصول فرنجية انما لا مصلحة للبلد بوصوله. وانا على العكس سأكون مسروراً اذا وصل وسأضحك ولكني اعلم انه لن يكون لمصلحة البلد إنما وصوله سيكون لمصلحتي الشخصية وسأكون بفضله قد أخذتُ ضمانات ووعوداً ومغريات وكلها لم أقبل بها. وأسألكم: هل انا مضطر الى معاداة جميع الناس؟ الجواب: نعم لأنّ القضية قضية مبدأ واقتناع وأنا ثابت عليهمان ولم انظر ابداً في هذا الملف الى مصلحة خاصة وشخصية بل الى مصلحة البلد».
• نكرر السؤال الذي طرحه بري على الاميركيين: «مَن غير فرنجية يستطيع التحاور مع سوريا لإعادة النازحين والتحاور مع الحزب؟
– اولاً، على بري ان يسأل اللبنانيين من يريدون قبل ان يسأل الاميركيين، بل يجب عليه ان يسأل النواب ممثلي الشعب. فليتذكر كيف واجَهنا الحكومة البتراء ورفضنا استهداف اي مكوّن، حتى الاستهداف رفضناه. ولذلك يجب ان يسألنا ولا يمارس معنا الشيء الذي مورس عليه.
• نقاطعه: لكن الرئيس بري يقول انه حاول معكم ؟
– أبداً، مطلقاً، فأنا زرت بري وكان لقاء جيداً وتناولنا الطعام وتناقشنا بصراحة وغادرنا على فرح، وكان ذلك قبل توجّهي الى قطر وباريس، وقلت له فكرتي واعترفت له ان الاتفاق الذي حصل في الماضي وكان خارجه دفعنا ثمنه نحن والبلد، ولذلك لماذا الاعداد اليوم لاتفاق أحادي؟ فلنتفق جميعاً، وكان ردّه ايجابياً والجَو كان كذلك ايضاً. وبقيت قنوات التواصل مفتوحة، الا انّ مشكلتي معهم انهم يتكلمون معي بمنطق واحد: «سليمان فرنجية هَلّق وانت بعدين، ونحنا ضمانتك وأعطينا مطاليبك وشو بدّك ضمانات نحنا حاضرين». الّا انني اتكلم معهم بمنطق مختلف، فالبلد لا يحمل خيارات كهذه وسنفشل كما فشلنا في السابق، والقصة ليست ضمانات وحصصاً ووعوداً، بل كيف سنخلّص البلد، فإذا لم نكن واعين لخطورة الوضع فلا تليق بنا حلول وصفقات وتسويات كهذه، وهذا يعني اننا غير مُدركين ما سيحلّ بنا لأننا لا ننظر بذكاء الى المستقبل. القضية اليوم باختصار ليست قضية توزيع حصص وتقاسم سلطة، نحن نتكلم في مقاربتين مختلفتين لذلك «ما اتفقنا».
• مَن هو هذا الاسم المنقذ الذي لم تكشفوا عنه بعد ؟ وكيف ستقودون معركة رئيس لم تجدوه بعد ولم تَتحِدوا حوله ؟
– اولاً، هناك اسماء كثيرة قادرة على التواصل مع سوريا و»الحزب» غير فرنجية، ولا يجب احتكار المسألة بشخص واحد وهذا لا يجوز، وهذا رد مباشر على سؤالك عن بري. وثانياً، هذا بلد بأمّه وابيه لا يمكن اختصار العلاقة معه بشخص واحد ومن غير المجدي ان يقول لنا مكوّن لبناني انا لا اتكلم معكم سوى على اسم واحد، فهذا إسقاط لجميع اللبنانيين الذين على الاقل وقفوا الى جانب سوريا ضد الارهاب ووقفوا مع «حزب الله» ضد اسرائيل.
من جهة اخرى نحن نقرّ بنقطة ضعف اساسية في فريقنا ومع غيرنا لأننا لم نقدّم بعد مرشحاً واحداً وذلك للاسباب الآتية: البرلمان منقسم الى ثلاثة اقسام: فريق الثنائي الشيعي ومَن يؤيده وهم يريدون سليمان فرنجية، فريق «القوات» ومرشحه العلني معوّض وهناك قسم منه موافق على جوزف عون. وهناك التيار الوطني مع مجموعة من النواب المستقلين ونواب آخرين يشكلون قسماً ثالثاً ويصل الى النسبة نفسها وربما اكثر ولديهم تقاطعات على اكثر من اسم، إلا أننا لم نصل الى ان يكون عددنا 65 نائباً، اي النصف زائدا واحدا. ولذلك صحيح اننا عجزنا عن ان نصل الى مرشح لديه تأييد 65 نائباً، لكننا مستمرون في العمل ولن نطرح الاسم كي لا نحرقه.
• لكن اللعبة الديموقراطية التي تطالب دائماً بها لا تستوجب التوافق على اسم بل النزول والاقتراع في البرلمان، ألستم من دُعاة العمل البرلماني الديموقراطي ؟
– نحن لا نملك الدعوة الى المجلس، ولو صحيح انّ الرئيس بري لديه 65 صوتاً لسليمان فرنجية لكان دعا الى جلسة لانتخاب رئيس. وجواباً على سؤالك اقول انّ اللعبة البرلمانية ايضاً تُجيز لكل فريق منع النصاب اذا كان غير موافق على اسم المرشح وهذه اللعبة تحفظ المكونات إلا أنها معطّلة لنفسها ونعترف بذلك. ولذا اقترحنا تعديل الدستور من دون تغيير صلاحيات الرئيس، فلنجرِ انتخابات مباشرة من الشعب لكي لا نقع في هذا المأزق في كل انتخابات ولأنّ لبنان بطبيعته مقسّم الى طوائف لن يستطيع اي طرف في يوم من الايام ان يفرض رئيساً من دون راعٍ خارجي، وسنبقى نواجه مشكلة النصف والثلثين كلما وصلنا الى استحقاق رئاسي. ولذلك حان الوقت لتغيير آلية انتخاب الرئيس ولأنه يجب المحافظة على المكونات كلها، كان اقتراحنا انتخاب من الشعب.
نحن مسعانا واضح لا هنا ولا هناك، نحن ذاهبون الى محاولة الوصول الى مرشح يجمع اتفاقنا مع خطة عمل وهو الاتفاق الذي نعمل عليه اليوم مع اشخاص ونواب من الداخل والخارج وطالما لم نستطع حتى تاريخه إنجاز هذا الامر فسنستمر في سعينا الى إنجازه. صحيح انّ اطرافاً لم توافق عليه الا انّ اطرافاً أخرى وافقت واعتقد انّ مسعانا سيكبر عندما سيكتشف كل شخص من جهته انه لن يصل في مساره الى مكان ما ولذلك سيأتي ويلاقي طرحنا. اما المشكلة لماذا لم نصل فهي لأن كل طرف من الطرفين يراهن على التطورات الخارجية. فالفريق الاول يراهن بكل وضوح على الاتفاق السعودي ـ الايراني الذي يعتقد انه سيأتي بسليمان فرنجية، وهناك الفريق الآخر الذي يراهن على أن الاتفاق سيكون لمصلحته وسيأتي بجوزف عون.
* اذا لم تترشح أنت او فرنجية او جعجع او من لديه حيثية سياسية فمن سيكون قادراً على الترشح ومن هو الاقوى ؟
– أنا قلت بما انّ الزعماء الذين لديهم حيثية ليسوا قادرين ولا تسمح الظروف بوصولهم لأسباب عدة ومتفاوتة، لذلك قلت انّ الحل هو اتفاقهم جميعاً على مرشح وهذا يعوّض على كل زعيم، اي عوض ان يكون مرشحاً بحيثية وحده يكون مرشحاً بحيثيات كافة الاطراف المسيحية القوية التي لديها حيثية مجتمعة.
• هل ستطرح هذه الفكرة في بيت عنيا ؟
– هذا الطرح قدّمته سابقاً وأردّده دائما للمسيحيين ولجميع اللبنانيين، فمصلحتنا هي ان يأتي الاقوى واذا لم يكن الاول والثاني فلنجتمع جميعاً ونتفق على مرشح نُقوّيه نحن.
• ماذا عن الترسيم؟ إعتبرناه للحظة ما انه خلاص للبلد ؟
– الترسيم يمكن ان يكون حلقة من حلقات كثيرة تؤمن الاستقرار في المنطقة وازدهار للبنان، انه هو حلقة وليس الحل، ويجب ان ننظر الى ماذا يحدث في اسرائيل واميركا وحتى في الخليج والسياسات التي تعتمدها السعودية وحرب اوكرانيا، هذه الامور ليست صغيرة فنحن اليوم نعيش في خضم متغيّرات دولية كبيرة ولا يجب الاستخفاف بالتحالف الروسي ـ الصيني وماذا سيفعل في العالم والتوازنات الجديدة التي سيخلّفها ؟ وماذا يعني ان تختار السعودية الاتفاق مع ايران تحت جناح الصين ؟ كل تلك الامور تعكس مؤشرات كثيرة. ماذا عن الاتفاق النووي ؟ ماذا سيحل بنتنياهو بعد المشهدية الجديدة في اسرائيل ؟ اليوم العالم للمرة الاولى ليس مقسوماً مع اميركا او ضدها، بل انّ العالم مقسّم بين مَن مع الديموقراطيين ومن مع الجمهوريين، فأي شخص يأتي الى الحكم في اميركا لن يغيّر الوضع. والسؤال: لو كان ترامب في الحكم مثلاً هل كان حَلّ ما حَل بإسرئيل او بالسعودية ؟
واضح انّ السياسات اليوم تحدث وفق متغيرات تحصل في الولايات المتحدة وفي الداخل الاميركي وهي تحدث في موازاة مع ما تحاول القوى المناهضة للولايات المتحدة الاميركية ان تقوم به وعلى رأسها الصين وروسيا. إلا انّ الفارق ان لبنان لا يستطيع تغيير صورة المنطقة مثل غيره، ولكن اللبنانيين قادرون على الاتفاق على اشياء داخلية تُجنّبهم نزاعات المحاور وتبعاتها وأثمانها، اي يمكننا ولو لمرة واحدة عدم دفع الثمن والاتفاق على رئيس جمهورية، أقرّ اليوم انّ الظرف لا يسمح بأن يحكم الرئيس القوي وان الظرف يكسر هذه المعادلة لأنّ وضع البلد لا يتحمّل الفراغ، نعوّض عن القوة الذاتية بقوة اقوى ولكنها معطاة وليست ذاتية بالاتفاق فيما بيننا على هذا الرئيس.
• مع مَن تريد الاتفاق والتحدث وأنت تُعادي جميع الاطراف وهل من معراب ٢ ؟
– اولاً، نحن نتكلم مع جميع الناس وقلنا لهم «بَدنا نحاوركم ونخانقكم». لا نستطيع في لبنان ان لا نتكلم بعضنا مع بعض. امّا نحن كتيّار لا نستطيع مواجهة أحد بنسيانه. اذا اعتبروا اننا مقاطعين كل الناس واذا كان الجميع متّفقون بعضهم مع بعض فليعقدوا اتفاق من دوننا، فنحن مهما كان عددنا لا نشكّل سدس البرلمان وهناك أربعة أخماس غيرنا فليشكّلوا اتفاقاً من دوننا. في المقابل نحن ليس لدينا عقدة كلام مع اي طرف، وانا لستُ مع ان يكون هناك «معراب 2 « لأنّ ظروفه ليست مكوّنة وليس نافعاً، بل انا مع اتفاق أوسع واكبر، وفي رأيي ظروفه موجودة واذا لم نتفق اليوم فمتى نتفق؟ ولذلك انا لا ارى اليوم انّ هذا الاتفاق يمكن ان يؤدي الى نتيجة، اما اذا كان احد غيري يرى غير ذلك فليُنجز اتفاقاً وحلاً من دوننا.
• بمن يستقوي جبران باسيل ؟ بكتلة «لبنان القوي» في وقت هناك من يطرح علامات استفهام حول تماسكها ؟ أم انك تستقوي بشعبية التيار او بالشارع بعدما دعوتَ أنصارك في آخر كلمة لك الى الاستعداد للنزول الى الشارع ؟
– أستمدّ قوّتي من إيماننا بأننا على حق، ولا يوم كانت قوة التيار من الغير، بل من قوته الذاتية، فنحن نتفاهم ونتحالف مع الآخرين وهكذا سنبقى. ونحن على اقتناع بأننا ما زلنا نحافظ على هذه القوة. اما كل ما يحدث ويُقال عن موضوع التيار في الاعلام فسيزيده قوة ومناعة ولن يضعفه لأن القوة الاساسية هي القوة الشعبية، وطالما انّ التيار والشعب معنا فما تبقّى هو تفاصيل. وبالنسبة الى التيار ومسيرته فمنذ زمن هناك تنوّع كبير في طبيعتنا وديموقراطيتنا، إنما عندما نرى انّ هذا التنوع يصبح خارج السياسة المرسومة فعندئذ تتخذ اجراءات مثلما حصل في السابق مع كثيرين. إلا أنني أرى اليوم انّ كل ما يُحكى عنه ما زال في إطار التنوع المقبول، اما اذا اصبح هناك شيء آخر فسيكون هناك إجراء آخر، ونعتبر انّ ما يُفبرك ليس سوى أضاليل تدخل في اطار الاستهدافات التي تطاول التيار ولكنها ستزيده مناعة.
• كقيادي أساسي ماذا تقول للناس؟
– للأسف أقول انّ الرئاسة لن تحل الازمة، وهكذا كان قبل الانتخابات النيابية عندما قلت انها ستحصل ولكنها ستعقد الازمة ولن تحلها. واليوم اقول الامر نفسه. الرئاسة ضرورية ويجب ان تحدث، المشكلة انه اذا حصلت بشرذمة اكثر ومخاصمة وإبعاد او اذا حصلت بتوافق اكثر ومشروع اصلاحي، هنا السؤال الاهم. ولحسن الحظ انّ اللبنانيين أثبتوا انهم قادرين على التأقلم وهذه نعمة ونقمة في الوقت نفسه. امّا انتظار الحلول التي ستأتي من الخارج فسيُطيل الازمة لأننا ندفع الثمن: هجرة، نفاد لمخزوننا النقدي وانهيار عملتنا وتفكك الدولة والمجتمع، انهيار أخلاقي اكبر، وانهيار مؤسساتي اكبر، فالوقت لا يمر من دون ثمن، والثمن كبير، وكلما يمر الوقت ونضيع فرص الحلول الاقتصادية يصبح الامر مكلفاً واصعب ولا حل لذلك. قدّمنا التنازل الكبير ولم نترشح لأننا عرفنا انّ الثمن كبير وانّ الحل هو ان نضغط لنذهب الى التفاهم وكل رهان على إيصال مرشحين لا يؤمّنوا هذا التفاهم هو نكسة للبلد.
• يوحي كلام جعجع انه يهدد بالتقسيم فهل انت في نفس المركب ؟
– انا كنت واضحاً، لبنان لا يقسّم. ولا يعني الامر اننا لا نريد لامركزية، ومن المعيب ربط اللامركزية بالفيدرالية او بالتقسيم. فاللامركزية ايضا لا تعالج كل مشكلاتنا لأنه ستبقى هناك لامركزية سياسية وامنية ونقدية وسياسية، ان لم نقل امنية، ولامركزية في السياسة الخارجية، وبالتالي اللامركزية هي الحل لمشكلات الناس اليومية، فهي تحل الجزء المعيشي. ولا يوم يمكن ان نكون طائفيين بل وحدويون ومع لبنان الكبير. ولذلك ندعو الى اللامركزية خوفاً من دخول خطاب التقسيم على مجتمعنا وعلى صفوف التيار واطراف اخرى امام إصرار الطرف الآخر. فعدم تطبيق اتفاق لطائف يجّرنا الى طروحات كهذه.
• ماذا عن العلاقة مع الحزب؟
– لا جديد، لا سلبياً ولا ايجابياً، وفي المباشر ليس هناك من محاولات، بل محاولات لبعض الظرفاء الذين ينصحونني ولكنني لا أنتصِح.
• هل يمكن ان تغيّر رأيك في بيت عنيا ؟ نعتقد انك منذ زمن لم تجلس بمفردك لأننا نرى دائماً ان مواعيدك ضاغطة؟
– على العكس، اولاً انا أجالِس نفسي بمفردي كثيرا وبعكس ما تتوقعون فأنا اتكلم مع نفسي عندما انام ايضاً لأني افكر طوال الوقت. ثانياً، من المؤكد ان كل خلوة روحية تجعل الانسان يغسل فكره انما انا افكر بطريقة ايجابية، فلم اقل اني مرشّح ولا اريد فرض مرشح وانا لم اقل اني لا اريد التكلم مع الناس واقول لا حل سوى بالتفاهم، فهل هذا كله سلبي ام ايجابي ؟ وهل الوحي هو ايجابي ام سلبي ؟ وهل الوحي سيهبط عليّ لأفعل عكس كل هذه الطروحات الايجابية والقرارات الجيدة ؟ الوحي يأتي لكي أقبل بالشر ام بالخير واذا كان الوحي شيئاً جيداً للبلد فسيكون وحياً من الذي قلته وقررته، اما اذا دخل الشيطان فعندئذ سأقبل بشيء يؤدي الى ضرر للبلد، اي معاكس لإصلاح البلد، لا اعتقد انّ الشيطان سيتمكن مني في «بيت عنيا»، ولكن اطلب من الله ان ينجّيني من الاماكن الاخرى والاغراءات، فعندئذ يصح طرح السؤال: كيف ستدع بيت عنيا وحريصا تحميك وتحصّنك من هذه الاغراءات والنصائح ؟ والجواب هو انني اعتقد انّ في بيت عنيا كل شيء جيد، فالجلسة مع الذات جيدة.
* ماذا عن الغد؟
– اللقاء ليس للحديث السياسي، كل شيء يقرّب الناس بعضهم الى بعض هو خير. وانا التقيتُ منذ زمن مع فرنجية لأؤكد ان ليس هناك من مشكلة شخصية معه. ويومها لم نتكلم في السياسة وكانت الجلسة ايجابية. غداً لديّ فرض أنجزه، وانا والتيار متفقان على اسماء جديدة وأبدَينا مرونة كبيرة امام اسماء كثيرة وقبول الكلام فيها.
* هل أنت مع إجراء الانتخابات البلدية ؟
– موقفنا اكثر من واضح، اذا كانت الحكومة ووزارة الداخلية قادرتين على انجاز الانتخابات البلدية وتأمين ظروفها المالية والاهم اللوجستية، اي: تأمين قضاة، معلمين، قوى أمنية قادرة على إتمامها كما يجب بعيداً عن الاشكالات، فسنقوم بواجباتنا. اما اذا كانوا غير جاهزين ان تكون لديهم جرأة للقول نحن لسنا جاهزين، فهي ليست حملة مزايدة شعبية. فليسألوا القائمقامين والمحافظات ووزارة التربية وهيئات المعلمين والمعنيين ووزير العدل والجسم التعليمي، اذا كانوا قادرين فيكون واجبنا عندها المشاركة.
من وحي لقاء بكركي
أراد باسيل الخاتمة مساء أمس من وحي بكركي، فكشفَ ما سيقوله في بيت عنيا: «لا حل من دون تفاهم على الرئيس وعلى خريطة طريق او برنامج وعلى حكومة تنفّذ الاصلاحات… إنّ المسيحيين محكومون بهذا الإتفاق ومحكومون ان يكونوا طليعيين فيه وإلّا فهم يتخلّفون عن دورهم الطليعي في لبنان فيصبحون أداة لمشاريع، أي مُستتبعين للداخل وأداة للخارج وسياساته. واذا كان هناك مكسب يجب أخذه من لقاء بكركي، فهو ان نكون رياديين وطليعيين وليس بالتصادم بل بِمَد الجسور بين بعضنا البعض ومع الآخر لخلاص لبنان».
هكذا قرأ باسيل خلوة بيت عنيا
لقاؤنا مع باسيل لم ينته مساء امس فوعدنا بأنه سيتواصل معنا غداً (أمس) لإطلاعنا عن الخلوة في بيت عنيا، وكان هذا الوصف: «الجلسة كانت فعلاً خلوة روحية وتخللها تعاليم وتأمّل. فالتأمل الاول كان عن العظام اليابسة التي يستطيع الانسان اذا كان لديه الايمان ان يردّ لها العصب واللحم والجلد، والأهم ان يردّ إليها الروح فتعود الى الحياة. التأمل الثاني لَخّصه بأنّ المؤمن يقوم بعلاقاته على اساس الايمان والرجاء ويترجمها علانياً على اساس المحبة وهي اسس ديانتنا المسيحية، أي مهما كانت الظروف. يجب ان نحافظ على الرجاء وعلى علاقاتنا مع بعضنا البعض في المستقبل فلا تكون قائمة على العنف، اي ان الانسان مُجبر في النهاية على عيش المحبة مع الآخر سواء كان مسيحياً ام غير مسيحي وذلك من اجل بناء البلد. واضاف باسيل: بالنسبة لي هذا التأمل له معنى كبير بخاصة ان الراعي في كلمته استشهَد بالبابا فرنيس وبالسياسي الصالح من جهة، ومن جهة ثانية تكلّم عن قديس في الكنيسة وهو توماس مور الذي رفض التوقيع لملك انكترا طلاقه. وبالتالي، رفض الانصياع لأوامر الكنيسة. وعندما خيّروه اختار قطع رأسه، وهذه بالنسبة الينا ايضاً لها ترجمتها فنحن دفعنا في الـ 1990 ثمن هذا الوضع ومستعدون لدفع الثمن كل مرة اذا كان الامر يتعلق بعملية وجودنا ودورنا ورسالتنا، ولا نساوم بل نمارس واقعية سياسية بالتفاصيل، إنما عندما تصل الامور الى دورنا ورسالتنا في الشرق، وهو منبع إيماننا، لا نساوم».
ولأجل ذلك كشفَ باسيل انه سعى لخلوة سياسية مع البطريرك على هامش اللقاء الروحي متابعة للحديث الرئاسي وانطلاقاً من ضرورة الاتفاق على اسم او على مجموعة اسماء، ومن على مائدة الطعام وعلى مسمع الجميع أعدتُ على مسامعهم ما قلته دائماً: نحن الموارنة تعوّدنا ان نتفق على المبادئ إنما نخلّ في التطبيق ودائماً نتفق على الرفض اي على السلبي، اعتقد انه حان الوقت للاتفاق على الايجابي اي لا نتفق على ما نرفض بل لنتفق على ما نقبل، وهذا هو الحل الوحيد أمامنا. ومن وحي الخلوة هكذا نمارس الوفاق والاتحاد بقبولنا وتَقبّلنا لبعضنا».