كتب ميشال أبو نجم في الشرق الأوسط:
قالت مصادر مطلعة على الاتصالات الحالية محلياً وخارجياً بخصوص الانتخابات الرئاسية في لبنان إن الأمور «ما زالت تراوح مكانها، وأن لا أفق قريباً لتحقيق اختراق، ما يعني أن الطبخة الرئاسية لم تنضج بعد». وتضيف هذه المصادر أن الأسباب لا علاقة لها بأعياد الفصح أو بشهر رمضان، «بل لأن عملية الشد والدفع ما زالت في أوجها، ولأن محاولات التوسط الخارجية لتسهيل العملية الانتخابية، خصوصاً الفرنسية، لم تحقق النتائج المرجوة منها». يضاف إلى ما سبق ترقُب داخلي وخارجي لمآلات التقارب السعودي – الإيراني، وما ينتظر من انعكاسات على الملف الرئاسي اللبناني، حيث يريد كل طرف أن تكون لصالحه.
واللافت حتى اليوم، وفق المصادر المشار إليها، أن باريس وهي الجهة الأكثر نشاطاً في البحث عن تقاطعات يمكن أن تفضي إلى عقد جلسة نيابية انتخابية يتعين أن تكون حاسمة: «لم تتزحزح عن موقفها، وما زالت ترى أن الحل الممكن يكمن في انتخاب النائب والوزير السابق سليمان فرنجية رئيساً، مقابل اختيار رئيس حكومة إصلاحي بشخص القاضي نواف سلام، في سياق صفقة متكاملة تتضمن اختيار حاكم جديد لمصرف لبنان، وتعهدات بعدم الإطاحة بالحكومة العتيدة، وعدم وضع العصي في دواليب الإصلاحات». ووفق الرؤية الفرنسية فإن المطروح هو «أفضل الممكن»، وبذلك تكون باريس قد تجاوزت الاعتراضات الكثيرة على انتخاب فرنجية لبنانياً وإقليمياً وأميركياً (إلى حد ما). وحجة الجانب الفرنسي أن فرنجية، الذي اجتمع مع الخلية الدبلوماسية في قصر الإليزيه التي تمسك بالملف اللبناني، شرح السياسات التي يريد أن يسير على هديها، إن كان في العلاقة مع «حزب الله»، أو مع سوريا، أو في موضوع النازحين السوريين، وفرض الرقابة على الحدود… وحسبما يشيع فرنجية وداعموه وما نقل إلى الطرف الفرنسي، فإن الأخير هو الأكثر قدرة على «الحصول على شيء ما» من «حزب الله»، ومن سوريا، وامتداداً من إيران. بيد أن صورة المشهد السياسي، كما أصبح واضحاً اليوم، هي أن «الترويج» الفرنسي لفرنجية «غير كافٍ لإقناع المعارضين أو المترددين»، وبالتالي فإن قصر بعبدا «ما زال بعيداً» بالنسبة إليه.
وترد باريس على من يسألها عن سبب تمسُكها بالقول: «لنترك فرنجية جانباً، أعطونا أسماءً أخرى تجد قبولاً؟». عندها تذكر لائحة الأسماء وأولها اسم الوزير الأسبق ومدير إدارة دائرة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي. ولا تجد باريس صعوبة في قبول أزعور، إلا أنها ترد أن جهتين على الأقل في لبنان لا تقبلان به هما «حزب الله» و«القوات اللبنانية». الحزب لأنه يعتبره أميركي الهوى وابن مدرسة صندوق النقد، و«القوات» لأنه يرشح رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل. كذلك، فإن اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون يطرح دورياً، إلا أن ورقته «احترقت»، بعد أن أخبر «حزب الله» من يعنيهم الأمر بأنه «لا يمكن أن يقبل به». وعلى أي حال، هو يردد أن مرشحه الأول والثاني والثالث هو سليمان فرنجية. كذلك طرحت أسماء الوزير السابق زياد بارود، والنائب نعمة أفرام، وصلاح حنين… وآخرين. وفي الخانة المقابلة لكل اسم من هذه الأسماء اعتراضات من هذا الطرف أو ذاك، بحيث إن «حرق» الأسماء تحول إلى رياضة مفضلة لدى الطبقة السياسية اللبنانية، ما يحير أصدقاء لبنان في العالم العربي والعالم الخارجي، فيما الأوضاع تزداد تدهوراً.
يفهم مما سبق أن ثمة من يلعب لعبة الوقت، بمعنى ترك الأمور على عواهنها حتى يقبل المعارضون ما يرفضونه اليوم. وهؤلاء يأخذون على باريس «تعاميها» عن اعتراضاتهم، ومنها إعادة التأكيد على ضرورة النظر إلى «وعود وضمانات» فرنجية بكثير من التشكيك؛ لأنه «لن يستطيع الخروج من ثيابه» وفق المثل اللبناني المعروف. ويضيف هؤلاء أن أحد الأخطار المترتبة على انتخابه عودة النفوذ السوري إلى لبنان عبر بوابة فرنجية، الصديق القديم للرئيس السوري بشار الأسد. ويضيف هؤلاء أن فرنجية لم يعلن ترشيحه بعد، ويقول المقربون منه إنه يريد التأكد أولاً أن «الطبخة نضجت»، وثانياً، ولأنه غير مرشح رسمياً إلا من خلال «حزب الله» وحركة «أمل»، فلا يوجد برنامج متكامل سياسياً واقتصادياً قد صدر عنه، ويمكن بالتالي محاسبته عليه في حال لم يعمل بهديه. والأمر الثالث، غياب أي يقين بشأن السياسة العربية والإقليمية والدولية التي سينتهجها، علماً بأن خلاص لبنان الاقتصادي لن يوفره مبلغ الـ3 مليارات دولار، التي وعده البنك الدولي بتوفيرها لثلاث سنوات (شرط التوصل إلى اتفاق نهائي على البرنامج الإصلاحي) بالنظر إلى حالة الدولة المفلسة.
وأخيراً، يرى كثيرون أن مجيء فرنجية إلى السلطة سيعني استمرار الأداء المزري للسلطات، الذي عرفه لبنان، وأدى إلى الحالة التي وصل إليها اليوم على كافة الأصعدة.
هكذا ينظر من باريس إلى المسألة الرئاسية التي ولجت طريقاً مسدودة، فيما الآمال التي علقت على اجتماع اللجنة الخماسية في العاصمة الفرنسية في 12 فبراير (شباط) الماضي بكامل أطرافها لمرة واحدة، لم يتحقق منها شيء، بل إن اللجنة كمجموعة اختفت عن الأنظار. وسبق أن قيل إنها سوف تجتمع بصيغتها الأولى لتقييم ما تحقق من اتصالاتها مع الأطراف اللبنانية أو على المستوى الوزاري. بيد أنه لم يحصل شيء من هذا حتى اليوم. ولأن الوضع على هذا النحو، فإن كافة الأنظار متجهة لمعرفة مردود التقارب السعودي – الإيراني على الملفات اللبنانية، وأولها الملف الرئاسي.