كتب فؤاد بزي في “الأخبار”:
أربع سنوات دراسية عجاف مرّت على القطاع التربوي في لبنان، كان وقعها أقسى على تلامذة المدارس الرّسمية من زملائهم في المدارس الخاصة، إذ لم يستكمل هؤلاء منذ عام 2019 عاماً دراسياً واحداً بشكل طبيعي. تلامذة الصفوف النهائية للعام الحالي، لم يحصلوا على شهادة البريفيه بل على إفادة، ولم يمرّوا على الصف الثامن الأساسي بشكل طبيعي بسبب جائحة كورونا وقتها. منذ ذلك الحين، والأزمات تتلاحق إلى حدّ تناهز معه عدد الأيام التعليميّة المفقودة بين عامي 2022 و2023 الـ100 يوم، أي ما يقارب عاماً دراسياً كاملاً!
أمّا وزارة التربية، فـ«إجراء الامتحان الرّسمي» همّها الوحيد، من دون ممارسة أي ضغط على الحكومة لتحقيق انفراجات في الإضرابات عبر التسريع بإقرار التعديلات المقترحة على الرواتب، ووضع آلية لصرف بدل النقل الجديد، وتعديل موازنة تعاونية الموظفين، كما لم تجب على كيفية إقامة امتحان واحد للقطاعين الخاص والرّسمي، ولا سيّما مع التفاوت الكبير في الفاقد التعليمي بينهما، فالأول لم يقفل يوماً، والثاني مضطرب إلى حدّ الانفجار!
التلامذة يتظاهرون
همّ الامتحان الرّسمي دفع أمس، ولأول مرّة منذ بداية الإضرابات والتحرّكات مطلع العام الجاري، تلامذة المدارس الرّسمية للتوجه نحو وزارة التربية للاعتصام مطالبين بـ«تأمين الحدّ الأدنى لحقوق الأساتذة كي يتمكنوا من تمرير العام الدراسي، والوصول إلى استحقاق الامتحانات الرّسمية»، على الرغم من التضييق الممارَس من قبل بعض إدارات الثانويات الرّسمية لمنع التلامذة من الاعتصام، الذي «وصل إلى حدّ إقفال مديرة ثانوية في بيروت باب المدرسة، وتهديد التلامذة بالطّرد في حال الخروج للمشاركة» وفق إحدى التلميذات. وهذه الأخبار تؤكّدها ناظرة مشاركة في الاعتصام، «قامت بنفسها بإيقاف الدّروس والسّماح للتلامذة الراغبين بالمشاركة في التظاهرة».
«أكلناها» تقول تلميذة من ثانوية كفرشيما، «نصف الأساتذة لا يعلّمون، ومن عاد لا يدرّس من قلبه». وعند سؤالها عن الحلّ، تشير إلى مبنى الوزارة. زملاؤها يعبّرون عن خوف كبير من الامتحان الرّسمي، «نحن جيل أخذنا إفادة في البريفيه بسبب جائحة كورونا، ولا نعرف شيئاً عن الامتحان الرّسمي»، تقول تلميذة من ثانوية حوض الولاية في بيروت، وتسأل «كيف نذهب إلى امتحان بأقل من 20% من المنهج، وتعليم غير منتظم، وبرنامج دراسي يومي، قد يحتوي على 3 حصص جغرافيا لصف علوم الحياة؟».
تخفيف المنهاج
يتكلّم التلامذة عن الامتحان الرّسمي كأنّه «أمر واقع»، بغضّ النظر عن وضع ثانوياتهم التعليمي، التي لم ينتظم التعليم فيها، رغم الجو الإعلامي الذي يحاول الإيحاء بالعكس. التعليم متفاوت بين المناطق بشكل غير مسبوق، في الجنوب والبقاع والشمال شبه إقفال تام للثانويات، وفي بيروت وجبل لبنان عدد قليل من الثانويات مفتوح بشكل منتظم، بينما الأكثرية تدرّس بشكل جزئي الصفوف النهائية فقط، وأخرى مقفلة منذ نهاية العام الماضي، بحسب إفادات الأساتذة لـ«الأخبار»، ما يؤدّي إلى حالة إحباط وتخبّط لدى التلامذة تضاف إلى مشاعر الحزن والغضب على «وزارة لا تهتم إلّا بالقطاع الخاص»، الذي أنهت مدارسه تقريباً كلّ المنهاج المطلوب، فيما ينتظر القطاع الرّسمي اجتماعات إعادة النظر في المنهاج هذه السّنة لمعرفة الدروس الملغاة. وبحسب مصادر «الأخبار» في لجان المواد في المركز التربوي، فهناك توجه لـ«إعادة العمل بالمنهج الذي اعتُمد العام الماضي، بالإضافة إلى المواد الاختيارية، لاستحالة إنهاء المطلوب ولو مُدّد العام الدراسي لشهرين إضافيين».
المواجهة بالقانون
ولكنْ يوجد في الدولة اللبنانية شتاء وصيف تحت سقف واحد، موظفو الإدارة في إضراب منذ أكثر من ثلاثة أشهر، إنّما من دون تهديدات بالاستبدال والنقل أو الملاحقات الإدارية، بينما أساتذة الثانوي المستمرون في إضرابهم يجدون أنفسهم «تحت سيف الملاحقات غير القانونية من قبل أجهزة الوزارة الإدارية، من دون أيّ تدخل للتفتيش حتى اللحظة» يقول أستاذ نقابي من بيروت.
وتصل الأمور في ملاحقة الأساتذة الممتنعين عن التعليم إلى حدّ «اعتبار وجودهم وحضورهم إلى الثانويات كأنّهما لم يكونا، إذ تطلب مديرية الثانوي اعتبارهم غائبين في برامج الدوام الممكننة، رغم توقيع الأساتذة على السّجلّ الرّسمي للحضور». في المقابل تتحرّك لجنة الأساتذة المنتفضين على الخط القانوني لمعالجة الأزمة المستجدّة، فطلبت من الأساتذة الممتنعين عن التعليم «تصوير دفاتر الحضور الموقّعة، وتحصيل إمضاء مدير الثانوية على السّجلّات الإلكترونية التي تثبت حضور الأستاذ، وإخطاره بالحضور خطياً وذلك لتجنّب أيّ تدابير عقابية قد تحضّر لها وزارة التربية في القادم من الأيام»، بالإضافة إلى توكيل مكتب محاماة قانوني لتقديم الاستشارات للجنة والأساتذة عند الحاجة.