كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
كل شيء من حولنا يتبدّل، من دمشق العائدة نحو الحضن العربي، الى الرياض المتسلحة بالواقعية، مروراً بطهران التي نَحت صوب السلوك البراغماتي مع الجوار الخليجي. وحده المأزق اللبناني الحاد باقٍ ويتمدّد.
بينما يقاطع اللبنانيون بعضهم بعضاً ويعجزون عن تنظيم مجرد حوار بينهم حول الاستحقاق الرئاسي او حتى إجراء انتخابات بلدية واختيارية يُفترض أن تكون أضعف الإيمان… في هذا الوقت بالذات، تتواصَل الهندسات السياسية الجديدة للإقليم الذي يبدو أنه في طور الانتقال من مرحلة الاشتباك الى مرحلة التشبيك.
هكذا، وقبل ان يجف حبر التوقيع على الاتفاق بين إيران والسعودية تحت المظلة الصينية، كان وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يصل إلى جدة للقاء نظيره السعودي فيصل بن فرحان، في أول تواصل على هذا المستوى الرفيع بين البلدين منذ عام 2011.
وبذلك تكون الرياض ودمشق قد خرجتا من خندق المواجهة التي وصلت إلى أقصاها خلال فترة الحرب السورية على وَقع المطلب السعودي آنذاك بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، لتدخلا في مرحلة من التقارب الذي قد يتوّج بمشاركة الأسد في القمة العربية التي تستضيفها الرياض في أيار المقبل.
واذا كانت أسباب المصالحة بين السعودية من جهة وإيران وسوريا من جهة أخرى هي موضع تفسيرات متباينة، واذا كان هناك خلاف بين المتحمّسين لهذا الطرف وذاك حول مَن تنازل للآخر أكثر، الا انّ الأكيد والثابت هو انّ الواقعية السياسية انتصرت اخيراً وانّ كلّا من طهران ودمشق والرياض امتلكت الشجاعة الكافية لوقف حروب الاستنزاف في المنطقة واختبار القدرة على ربط النزاع حيث يصعب التفاهم.
تحصل كل هذه المتغيرات النوعية، فيما بعض القوى اللبنانية لا يزال يحمل السلّم بالعرض خلافاً لاتجاه الريح، ويصرّ على خوض الحروب السياسية المستحيلة بدل الاتعاظ من تجاربها او تجارب غيرها. واللافت في هذا السياق انّ لبنان الهش الذي يدفع سريعاً وبكلفة عالية جداً ثمن نزاعات الآخرين، يحتاج غالباً إلى وقت للاستفادة من التحولات الايجابية التي تصله مفاعيلها ببطء، تارة لأنه ليس أولوية على أجندات الخارج وطوراً لأنّ قواه السياسية تتأخر في التقاط الفرص واستثمارها.
ولعله ليس أفضل للبنان المنهار من البيئة الإقليمية الاستراتيجية الآخذة في التشكّل حالياً، كي يحاول تَلمّس سبل الخروج من نفق أزمته وملاقاة ما يحصل من تقارب في المنطقة بجهد داخلي يلحظ ضرورة حماية المصالح العليا، ويترك هامشاً للقرار اللبناني بدل انتظار «التعليمة» من الخارج على توقيت عواصمه المؤثرة في الملف اللبناني.
وضمن هذا الإطار، يرجّح المطلعون ان يكون للتطور المستجد في العلاقات السورية – السعودية أثره الايجابي، ولو بعد حين، على الوضع الداخلي، خصوصاً انه سبق للدولتين ان اختبرتا التعاون في التعامل مع الواقع اللبناني خلال وغداة وضع اتفاق الطائف، ثم في حقبة الـ«سين سين» قبل أن يفترقان لاحقاً.
ويلفت هؤلاء الى انّ التقاطع السعودي – الايراني – السوري الحاصل في هذه اللحظة التاريخية، يمثّل فرصة ثمينة يجب أن يستفيد منها اللبنانيون الذين كانوا يشكون دائماً من انعكاس خلافات الكبار على أرضهم، فلماذا لا يتم توظيف اتفاقهم هذه المرة للبدء في معالجة الازمة انطلاقاً من انتخاب رئيس الجمهورية؟
وضمن سياق متصل، تستغرب اوساط سياسية ان يصرّ البعض على الاستمرار في العداء لسوريا ومقاطعتها على رغم وجود حدود مشتركة ومصالح اقتصادية متداخلة وروابط اجتماعية وأكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري مقيمين في لبنان وينبغي أن يعودوا الى بلادهم، بينما لا يوجد على سبيل المثال نازح واحد في السعودية التي قررت ترميم الجسور المحطّمة مع دمشق واستقبلت وزير خارجيتها من الباب العريض، توطئة لاستقبال رئيسها عاجلاً ام آجلاً.