IMLebanon

عودة الحصبة: انتشار أم بوادر جائحة؟

كتبت راجانا حمية في “الأخبار”:

أواخر الأسبوع الماضي، تابعت بلدية طرابلس وفريق من مركز الترصّد الوبائي في وزارة الصحة العامة، خبر «انتشار» عدوى الحصبة في أحد مخيّمات اللاجئين السوريين. كان الخبر بداية مرحلة التفتيش عن مدى انتشار هذه العدوى من عدمه، وهو ما دفع بمراقبي الدائرة الصحية في البلدية وفريق الترصّد الوبائي لإعلان «النفير» وإجراء مسحٍ شاملٍ لمخيمات النازحين السوريين في زيتون أبو سمراء في مدينة طرابلس.

إلى الآن، لم تصدر نتائج حاسمة حول مدى انتشار العدوى، باستثناء نتائج أولية تتريّث وزارة الصحة العامة في البناء عليها. إلا أن ذلك، لم يمنع من تكثيف الاجتماعات في الآونة الأخيرة للمتابعة، والتي كان آخرها أمس، مستهدفة في الأساس كيفية العمل على تفعيل مسار المواجهة، ولا سيما في ما يخص إعادة برنامج التحصين إلى سكّة عمله الطبيعية.

تطورات لم تأتِ من خارج التوقعات، فبحسب الدكتور برنارد جرباقة، رئيس اللجنة الاستشارية للتلقيح في لبنان وطبيب الأطفال، «كلّ شيء كان منتظراً»، عقب فترة انقطاع طويلة وقسرية عن السير ببرنامج اللقاحات الذي يفترض أن يكون روتينياً. لا أسباب كثيرة لعودة انتشار عدوى الحصبة ـ فيما لو دخل لبنان مرحلة الانتشار ـ إذ يحصرها جرباقة في سببين أساسيين: أولهما جائحة كورونا التي عزلت الناس عن كلّ شيء، والتي تجلّى أول تأثيراتها باختصار الزيارات للعيادات الطبية وحتى انقطاعها، ما أدى إلى تراجع نسب التلقيح لدى الأطفال، وثانيهما الوضع الاقتصادي المادي الذي أثّر في قدرة الناس على استكمال اللقاحات لأولادهم بعدما باتت أسعارها باهظة، مع إخراجها من لوائح الدعم. سببان يكفيان، بحسب جرباقة، ليصبح «الأطفال أكثر عرضة لالتقاط أمراض جرثومية يسهل انتقالها بالرذاذ والبشرة كما الحصبة أو حتى معوية كما الكوليرا». وتشير إحصاءات برنامج التحصين الوطني، في هذا السياق، إلى أن نسبة التفلت من كلّ اللقاحات الروتينية تراوح اليوم ما بين 27 و30%. وهي في الحصبة تحديداً أكثر مما عداها، إذ يلفت اختصاصي الأمراض المعدية، الدكتور عبد الرحمن البزري إلى انخفاض نسبة التلقيح للحصبة «ما بين 35 و40% بحسب دراسة أجريناها أخيراً، وهي ليست فقط ظاهرة لبنانية وإنما عالمية أيضاً». إلى هذين السببين، يضاف آخر طارئ وإن كان يقترب من أن يصبح أساسياً، وهو ما يتعلّق بكثافة النزوح، حيث تشكّل المجمعات والمخيمات بؤرة أولى للانتشار.

الحصبة كلّ 5 سنوات

حتى اللحظة، لم تدخل البلاد مرحلة انتشار أو ما يمكن أن يُطلق عليه جائحة، ولعلّ أفضل تعبير لما يحدث اليوم «أن ما يحدث هو بوادر جائحة»، على ما تقول الدكتورة رندا حمادة، رئيسة دائرة الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة، أو «out break»، بحسب تعبير البزري. أضف إلى ذلك أن البلاد معتادة، كما العالم، كلّ فترة على ارتفاعٍ في حالات الإصابة بعدوى الحصبة. وبالرغم من أن هناك مناعة مجتمعية مطمئنة، بحسب البزري، «كون الكثيرين أصيبوا بالعدوى سابقاً وكوّنوا نوعاً من الحماية»، إلا أن الحصبة من أنواع العدوى التي تتكرّر كلّ فترة تُقدّر بخمس سنوات، حتى مع تلقّي اللقاحات. ويعود ذلك إلى طبيعة لقاح الحصبة، إذ تشرح حمادة أن لقاح الحصبة تحديداً «يكتسب من خلاله 85% من الملقّحين مناعة، فيما هناك 15% لا يكوّنون مناعة، وعلى مدى السنوات، هذه الـ15% كفيلة بأن تحرّك الحصبة». واللافت أنّه في كل مرّة تعود فيها الحصبة إلى الارتفاع يكون حراكها في المناطق نفسها، والتي غالباً ما تبدأ بالمخيمات والتجمعات السكنية المكتظّة. وتشير المصادر إلى أنها في الفترة الماضية «بدأت في التجمعات السكنية المكتظّة في صبرا والشمال وعرسال وعكار…». وهنا، ثمة شيء أساس يفترض التنبّه إليه وهو أن «الحصبة من أكثر أنواع العدوى انتشاراً، إذ إنه يتخطى في ذلك كلّ الفيروسات بما فيها الإنفلونزا والكورونا وغيرهما…»، بحسب البزري.

لا حلول كثيرة للحصبة، إذ يبقى «الأساس هو إعطاء اللقاح»، يقول جرباقة. وفي هذا السياق، كانت الاجتماعات في وزارة الصحة العامة «حيث تُجرى دراسة للمخاطر ليؤخذ على أساسها القرار المناسب، فإما القيام بحملة تلقيح وطنية سريعة مع ما يستوجب ذلك من تأمين الدعم، وإما إقامة حملة مركّزة إما في المجتمعات الأكثر عرضة أو تلك التي ظهرت فيها حالات إصابة». أما في حال الإصابة «فليس هناك علاج هادف للحصبة وإنما علاج للعوارض سواء معالجة ارتفاع الحرارة أو نقص السوائل…». وفي حال ازدياد الحالات «نعطي اللقاح لـ6 أشهر بدلاً من 9 أشهر». وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في الكثير من الدول، تُدرس إمكانية زيادة جرعة لقاح ضد الحصبة للبالغين.