كتب حبيب البستاني في “اللواء”:
تحتدم المعركة الرئاسية كلما لاح في الأفق اتفاق أو تسوية إقليمية ما، وعشية الحديث عن اجتماع خماسي في الرياض يضم الولايات المتحدة، فرنسا، العربية السعودية ومصر وقطر، وبالرغم من عدم وجود أي إعلان رسمي عن ذلك بعد، بادر سليمان فرنجية لإعلان ترشيحه من على منبر بكركي. لقد ذهب رئيس تيار المردة إلى أبعد من مجرد إعلان ترشيح، بل راح يشرح وبإسهاب عن نواياه وخطواته المستقبلية في الرئاسة، فالرجل بدا كالواثق من نفسه في الوصول وأنه هو ولا أحد غيره من رست عليه التسوية الإقليمية والدولية، وهو كمن كان يدعو الأطراف للالتحاق بهذه التسوية التي لا بد آتية. فماذا قصد فرنجية بهذا الإعلان وما هي الرسائل التي وجهها ولمن؟
من الواضح أن فرنجية يريد استباق الاجتماع الخماسي الموعود، وهو بالتالي يبغي من إعلان الترشيح وضع كل الأفرقاء أمام أمر واقع، ولا سيما أنه كانت هنالك أخبار مفادها أن فرنسا ستطلب من فرنجية الانسحاب من السباق الرئاسي ذلك لوجود عقبات أساسية تحول دون وصوله، فعدا عن الموقف السعودي – القطري غير الداعم لفرنجية هنالك أفرقاء سياسيين وازنين على الساحة المسيحية الذين يرفضون وصول فرنجية بالمطلق، وهذا الموقف تم إبلاغه للسفيرة الفرنسية آن غريو من قبل رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل.
فنتيجة هذا الرفض المسيحي المعلن ضد وصول فرنجية، أراد هذا الأخير دحض تلك الأقاويل والإيحاء أن بكركي لن تمانع في وصوله للرئاسة، وبكركي وكما هو معلوم لها تمثيلها الكبير إن لم يكن الأكبر على الساحة المسيحية، وبالتالي فمن يحظى بعباءة بكركي فإن ذلك يكفي لأخذ الغطاء المسيحي. وهكذا جاء الإعلان من على منبر الصرح بغية حشر بكركي والإيحاء أن هذه الأخيرة داخل التسوية وليست خارجها، وربما غاب عن بال فرنجية أن غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي لا يريد الدخول في عمليات الفرض بل هو يريد أن يكون راعياً لتوافق مسيحي ينتج عنه ترشيح معين يمكن لبكركي أن تدعمه عندئذٍ. فإذا كان صحيحاً أن بكركي لن تكون خارج التسوية لا سيما على الموقع المسيحي الأول في البلاد، إلا أنها ترفض أن تكون طرفاً في صراع تحت مُسمى التسويات.
كذلك أراد فرنجية من استعجال الإعلان عن الترشيح، إجبار الواقفين وراء ترشيحه وتحديداً الثنائي الشيعي على التشدد في موضوع الترشيحات الرئاسية، فالثنائي الذي ظهر وحتى كتابة هذه السطور وكأنه ليس فقط المؤيد لترشيح فرنجية إنما الطرف الوحيد الواقف وراء هذا الترشيح. إن موقف الثنائي الشيعي هذا قد أضرّ بصورته الداخلية وبعلاقته مع كل اللبنانيين، فلا أحد يرضى من المسيحيين ولا من بقية الأطراف أن يصبح الثنائي صاحب الكلمة الفصل في مسألة ترشيح رئيس للجمهورية، أما الحديث عن أوجه الشبه بين ترشيح العماد عون للرئاسة في العام 2016 وبين ترشيح فرنجية، فإن الفرق شاسع بين الترشيحين وذلك لعدة أسباب أهمها:
لقد حاز العماد عون على استقطاب أكثرية المسيحيين واللبنانيين بعد عودته من فرنسا في انتخابات أيار 2005، ليس هذا فحسب بل إن العماد عون قد ترشح في هذه الانتخابات عن دائرة كسروان الفتوح وهي الدائرة التي ترشح عنها الرئيس كميل شمعون قبل تبوئه الرئاسة، وهكذا فالرئيس عون سبق وخاض معمودية النار لفوزه في هذه الدائرة وذلك كي يستطيع لبس عباءة الزعامة المسيحية بدون منازع.
وهكذا فإن أية تسوية خارجية لا يمكن فرضها على لبنان لا سيما المسيحيين منهم، حتى لو كان الثنائي الشيعي هم من عرّابوها، فالجميع يريد تأييد كل المكونات السياسية للوصول إلى الرئاسة ومنهم الثنائي، ولكن لا أحد يقبل أن يكون الثنائي أو الثلاثي أو الرباعي هو من يقرر عن المسيحيين.