كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
لم تُفضِ حركة الإتصالات التي شهدتها عطلة عيد الفطر الى إدراج أي «اسم علم» لمرشح يتقدّم السباق إلى قصر بعبدا، بل على العكس فعلى وقع مجموعة التسريبات الغوغائية التي تُحاكي الرغبات ظهرت نصيحة مفاجئة تدعو الى تقديم الصيغة ـ البرنامج التي ترسم خريطة طريق للمأزق قبل إسقاطها على المرشح الأنسَب إن كان هناك قرار إقليمي ودولي بإنقاذ لبنان. فالنزاع لم يعد بين أشخاص بمقدار ما باتَ حول نهج او برنامج، كيف ولماذا؟
فرضَت عطلة عيد الفطر غياباً قسرياً لمجموعة من السفراء المعنيين بالأزمة اللبنانية، لا سيما منهم عدد من السفراء الخمسة أعضاء لقاء 6 شباط الماضي الباريسي، الذين تعاهدوا على التنسيق فيما بينهم من أجل لبنان. فغياب كل من السفير السعودي وليد البخاري ونظيرته الفرنسية آن غريو عن لبنان ومعهما السفير القطري إبراهيم بن عبد العزيز السهلاوي لم يحل دون استمرار الاتصالات الجارية واستمرارها لتأمين المخرج لإنجاز الاستحقاق الرئاسي على وَقع مجموعة جديدة من الأفكار التي تفتح باب النقاش حول ما يتحدث عنه مختلف الاطراف بإجماعٍ لافتٍ يتناول البرنامج والخطط المطلوبة لولوج مرحلة الإنقاذ والتعافي، والذي عبّرت عنه المواصفات المطروحة من دون الغوص في الأسماء.
وعليه، تراهن الأوساط السياسية والديبلوماسية على عودة السفيرين السعودي ونظيرته الفرنسية الى بيروت. فغريو ستعود في الساعات المقبلة، فيما البخاري ستتأخر عودته اياماً ربما لأنه سيمضي عطلة اضافية تلي عطلة عيد الفطر والقمة الايرانية – السعودية قبل هذه العودة. وبناء عليه، فإنّ جديداً يمكن البحث فيه بعد عودتهما خصوصاً انّ الطرفين هما حصراً من المعنيين بنتائج اللقاءات التي عقدت في الفترة الاخيرة في بيروت وباريس والرياض، كما بالنسبة الى مصير الاتصالات التي قادَتها قطر في الفترة الاخيرة وما خلصت إليه جولة موفدها وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية الدكتور محمد بن عبد العزيز الخليفي الى بيروت.
وتزامناً مع نَفي الروايات التي تحدثت عن تبديل يُطاوِل التمثيل الديبلوماسي السعودي والفرنسي، والتي عُدّت من باب «الروايات المسمومة» التي لا أساس لها من الصحة، فإنّ الحديث عن عودة الموفد القطري الى بيروت مطلع الاسبوع المقبل يقود الى البحث عن معطيات جديدة انتهت إليها محاولات تسويق هذا المرشح او ذاك بالفشل، بفِعل العقبات التي اصطدمت بها تزامناً مع الحملات الاعلامية التي عبّرت عن حجم الانقسام في الداخل والخارج الذي ما زال قائماً.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، كشفت المراجع الديبلوماسية عن قراءة جديدة لمواجهة ازمة الاستحقاق الرئاسي، والتي ستكون مدار بحث بين أصدقاء لبنان والقيادات اللبنانية. خصوصاً انّ جولات المفاوضات أظهرَت الحاجة الى تغيير آلية وأسلوب التعاطي مع الازمة وقلبتها رأساً على عقب. فالحديث عن هذا المرشح او ذاك تسبّب بكثير مما لا يريده أصحاب المبادرات التي عبّرت عن غيرة غير مفاجئة تِجاه مساعدة اللبنانيين على تجاوز أزماتهم المتناسلة والمهددة لجوارهم وتحديداً الدول في شرق حوض المتوسط وشماله، التي تعاني من كونها تحوّلت لعام كامل ملجأ أولاً للنازحين الاوكران، فزادت من مصاعب تحولها مقصداً ثالثاً للسوريين يمكن انتقالهم من البوابات التركية أو الأردنية واللبنانية خصوصاً بعدما تعثرت الآليات التي اعتمدت في مواجهة تداعيات كثافتهم في لبنان وتفاقم الخلافات مع المراجع الدولية والاممية التي تهتمّ بأوضاعهم، من دون احتساب ما تحتاجه المجتمعات المضيفة التي أنهَكها النزوح وزاد من أزماتها الإنسانية والاجتماعية والصحية وسَلب منها فرَص العمل عَدا عن الهَم الأمني الذي تفوّق على بقية الهموم.
وعلى هذه القاعدة، والى جانب البحث في ملف النازحين وتردداته، انطلقت مجموعة من الأفكار التي تناولت الاستحقاق الرئاسي في بعض العواصم الغربية والخليجية في ظل الطروحات المتبادلة بموجب المبادرة الفرنسية التي يقودها مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الاوسط جوزف دوريل وتلك التي انتهت إليها نظيرتها القطرية، واللتين أكدتا عقم البحث في جَمع المواقف واستخدامها في إطار المواجهة بين الأسماء المرشحة المتداولة في الصالونات السياسية على خلفية المواصفات الداخلية التي منحت لكل منهما وفتحت منافذ متعددة للمناقشات بالمقارنة مع مجموعة المواصفات الخليجية التي وضعت للرئيس العتيد وكذلك تلك التي عَبّر عنها معظم أطراف اللقاء الخماسي من دون الغوص في الأسماء.
فباستثناء الجانب الفرنسي لم يطرح أي من الاطراف الاربعة اسماً مُحدداً لتزكيته في السباق الرئاسي، بمقدار ما شددوا على دور اللبنانيين في التفاهم على مرشح بمواصفات محددة منها ما هو سيادي وإصلاحي يُؤتَى به من خارج البيئة السياسية الفاسدة والمُفسدة التي تخضع للمقاضاة والمحاسبة لدى القضاء الأوروبي كما للعقوبات المختلفة والاميركية منها، والتي تَعدّت الاتهام المبني على الارهاب، كما تلك الإجراءات العقابية التي اتخذتها دول الخليج على خلفية تهديد امنها الامني والاخلاقي والاجتماعي من خلال شبكات وتجار المخدرات.
وانطلاقاً من هذه المؤشرات، كشفت المراجع الديبلوماسية عن نصيحة أسداها مرجع كبير وقالت بضرورة ان تتخذ الحركة المقبلة شكلاً آخر مختلفاً عمّا سبقها، خصوصاً لجهة وَقف البحث في الاسماء المُتناحرة لينتقل الحديث تلقائياً الى لغة البرامج المتصلة بالآليات التي يمكن اعتمادها على طريق الإصلاح والتعافي والإنقاذ، وتسمح لاحقاً بعد التفاهم على الخطوط العريضة بالبحث في الاسماء المتداولة فـ»الخزّان الماروني» الذي تحدث عنه موفدون أوروبيون وخليجيون عند رفضهم الدخول في لعبة الأسماء، يؤكّد أيضاً أن لا مشكلة في معظم الاسماء المتداولة بعيداً من الوصفات السياسية الحادة لبعضهم التي «تستفزّ» الداخل والخارج معاً.
وعندها، تضيف المراجع، فعندما تُرسَم خريطة الطريق الى بناء الدولة الحديثة، تتحقق المراحل التي تترجم مسلسل الملاحظات والشروط التي حددتها التفاهمات المبدئية مع المؤسسات المالية الدولية وما انتهت إليه برامج التصنيف الإئتماني ونصائحها، وتحديداً بالنسبة الى ما يتعلق بقطاعات لبنان الحيوية المالية والخدماتية والطاقوية والإنمائية والاستثمارية وسبل مكافحة الفساد، بالاضافة الى ما هو مطلوب من خطوات إصلاحية يتقدّمها قانون «الكابيتال كونترول» وإعادة النظر في خسائر المالية العامة وهيكلة القطاع المصرفي والتدقيق في موازنات المؤسسات الكبرى وتلك التي تتعاطى مع المال العام وما تقود إليه برامج التمويل المنتظرة عن طريق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أو أيّ من الهيئات والمؤسسات المانحة.
عند هذه التطورات تتوقّف المراجع الديبلوماسية لتُشير الى عناوين المرحلة المقبلة وهي ترى فيها تجسيدا فعليا لِما يمكن القيام به ـ إن كان ذلك ممكناً – بعيداً عن الحروب النفسية التي تقودها الجيوش الالكترونية والمؤسسات الاعلامية بلا أفق، معطوفة على الدعوة إلى انّ أياً منها لن تغيّر في استراتيجية الدول التي تنوي مساعدة لبنان، فلديها ما يكفي من المعلومات التي تفرز السياسيين اللبنانيين وما يريدون الوصول اليه بعيداً مما يؤدي الى انتخاب الرئيس الذي يحتاجه لبنان ليستعيد موقعه العربي والدولي.