كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
استحوذت زيارة وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت هذا الأسبوع على اهتمام بالغ خصوصاً أنها أتت بعد الاتفاق السعودي الإيراني وفي ظل ترقّب لموقف طهران بعد توقيع هذا الاتفاق، وهل سيبقى على تشدده حيال الوضع في لبنان واعتباره ضمن دائرة النفوذ الإيراني أم ستطرأ عليه ليونة ودعوة لحزب الله لعدم التمسك بفرض رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية مرشحاً وحيداً لرئاسة الجمهورية وإقفال باقي الخيارات؟
يمكن القول إن مواقف عبد اللهيان جاءت ملتبسة، فهو تجنّب علناً تأييد ترشيح رئيس «المردة» معلناً أن بلاده لم ولن تتدخل في انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، لكنه رحّب بانتخاب أي شخصية مرموقة تحقق التوافق بين اللبنانيين في تكرار ضمني لخطابات حزب الله. ومن خلال متابعة مجريات الزيارة يتبيّن أن الوزير الإيراني الذي حاول تظهير صورة لبلاده على أنها صديقة لجميع اللبنانيين لم ينجح في تحقيق مبتغاه، وإن الدعوة التي وجّهها إلى النواب من مختلف الكتل النيابية الموالية والمعارضة والتي استثنت تكتل القوات اللبنانية، لم يلبّها كل المدعوين بل اقتصرت تلبيتها على النواب المنضوين في محور الممانعة إضافة إلى النائب بلال عبدالله عن «اللقاء الديمقراطي» وقد قاطع هذه الدعوة نواب الكتائب والأحرار والتغييريون والنائب نعمة افرام. أما ممثل «اللقاء الديمقراطي» فاغتنم الفرصة ليتمنى على المسؤول الإيراني ألا يبقى لبنان ساحة للرسائل والصراعات الإقليمية وحروب الآخرين، قائلاً «آن الأوان كي يتنفس لبنان بعد الأزمة التي يعاني منها وان يعيش نوعاً من الاستقرار» داعياً «إلى وجوب مناقشة وبت الاستراتيجية الدفاعية، وان تكون في رأس جدول أعمال الرئيس المنتخب الجديد والحكومة الجديدة».
المعادلة الانقسامية
وإذا كان البعض دعا إلى ترقّب أي جديد في الموقف الإيراني حيال لبنان وطريقة تعامل طهران مع دولته وسيادته بعد توقيع الاتفاق مع السعودية، إلا أن أولى المؤشرات دلّت على أن الأداء الإيراني تجاه الدولة اللبنانية لم يتغيّر بل بقي على حاله. وهذا ما ظهّر من خلال التأكيد أكثر من مرة على معادلة «الشعب والجيش والمقاومة» وخصوصاً من بلدة مارون الراس المتاخمة للحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وكأن ايران، بعد الزيارة السابقة للرئيس أحمدي نجاد إلى الجنوب اللبناني قبل سنوات، أرادت بعث رسالة جديدة إلى إسرائيل أنها باتت على حدودها الشمالية وقادرة على تهديد أمنها والرد على أي تهديدات قد تطالها، علماً أن استخدام الأراضي اللبنانية كصندوق بريد لمصالح إقليمية والتلطّي خلف معادلة «شعب وجيش ومقاومة» لا يحظى برضى شرائح كثيرة من اللبنانيين الذين باتت تستفزهم هذه المعادلة الثلاثية ويعتبرونها معادلة انقسامية ولا يستبعدون أن يكون وراء تكرارها نوعاً من الرسالة إلى الرياض بأن إيران لن تتخلّى عن حزب الله ورسالة أخرى إلى اللبنانيين بأنها ليست بصدد تبديل موقفها من الحزب وسلاحه بعد توقيع الاتفاق مع المملكة.
وليس بعيداً، فإن سليمان فرنجية الذي رشّحه الثنائي الشيعي لم يجزم بقدرته على حل إشكالية سلاح حزب الله، وجلّ ما قاله حسب خصومه في خلال مقابلته التلفزيونية هو «توسّطه بين حزب الله واللبنانيين من أجل إشعارهم أن هذا السلاح غير موجّه ضدهم، وأن يتقبلوا الأمر الواقع والتعايش معه في ظل دولة وميليشيا». ويضيف خصوم رئيس «المردة» أن «فرنجية لم يَعد الشعب اللبناني بأن قرار السلم والحرب سيكون بيد الدولة، وإن عرضه بالتأقلم مع سلاح غير شرعي غير مقبول تماماً، لأن أحد الأسباب الرئيسية للأزمة اللبنانية متأتية من سلاح حزب الله إذ لا استقرار ولا ازدهار ولا مؤسسات في ظل السلاح، ولا يمكن القبول بأنصاف الحلول».
واللافت على الخط الرئاسي هو استمرار التباعد والتساجل بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والقوات اللبنانية التي لا تترك مناسبة إلا وترد على ما تراه «أخباراً مغلوطة ونسجاً للأوهام» من فريق الممانعة الذي تتهمه بأنه «ما زال يكابر لاعطاء نفسه والرأي العام آمالاً لن تتحقق لاستكمال معركة مرشحه الذي بلغ الحائط المسدود». وتستغرب القوات تسويق رئيس المجلس أخباراً نقلاً عن المملكة العربية السعودية، وترى فيها «إحياء للموتى وعملية مفضوحة يُقصد منها ذرّ الرماد في العيون، إذ لا أساس لها من الصحة، لا بل تُناقض تماماً حقيقة الأمور والمواقف والتوجهات».
وفيما عاد السفير السعودي وليد البخاري إلى بيروت منهياً عطلة عيد الفطر، فمن المتوقع أن يُطلع بعض القيادات اللبنانية على حقيقة محادثات مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل في السعودية وما آلت إليه من نتائج ليحسم ما يعلنه الرئيس بري عن ايجابية الموقف السعودي من فرنجية أو لينفي هذه الأجواء غير المتماهية مع حقيقة موقف الرياض.
في غضون ذلك، تستمر المساعي على خط المعارضة للتوافق على مرشح. ولم تتوصل اللقاءات والاتصالات إلى تبنّي خيار المرشح جهاد أزعور أو زياد بارود إما بسبب علامات استفهام حول القدرة على إدارة دفّة البلاد أو بسبب ملاحظات على عدم وضوح الموقف السياسي من قضايا خلافية أو بسبب الخوف من علاقات تربط الاسمين برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. وعليه، يتم التداول بإسم النائب السابق صلاح حنين كخيار محتمل للتوافق عليه، من دون إغفال أسماء أخرى تشكّل تقاطعاً بين عدد من الأطراف كإسم المرشحة مي الريحاني التي ما زالت تستقطب الاهتمام كشخصية اغترابية بعيدة عن الاصطفافات السياسية الحادة وتتمتع بعلاقات دولية وعربية يمكن توظيفها لتثبيت مرجعية دولية ودعم مسيرة الإصلاح والإنماء، وهناك أسماء قد تعود لتبرز في حال نجحت التسوية حولها وفي طليعتها قائد الجيش العماد جوزف عون خصوصاً إذا طرأت مستجدات أمنية أو إذا فرضت قضية النازحين السوريين نفسها على واجهة الأحداث.