كتب منير الربيع في “المدن”:
تدور محاولات لرمي كرة انتخابات رئاسة الجمهورية على ملعب القوى المسيحية. هذه المعادلة كان قد وضعها رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، بشكل واضح عندما حمّل مسؤولية عدم انتخاب الرئيس، وعدم الاتفاق على مرشح، للموارنة. إذ قال أكثر من مرة إن مشكلة الرئاسة مارونية، والموارنة لم يتفقوا بين بعضهم البعض.
هذه وجهة النظر تبناها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أيضاً في أحد مواقفه. دفع ذلك ببكركي وببعض القوى المسيحية إلى عقد خلوة روحية في بيت عنيا لم تخرج بأي اتفاق. بدا ذلك وكأنه تسليم بهذا المنطق، خصوصاً أن الخلوة لم تؤد إلى أي نتائج. فيما انطلقت قنوات التواصل بين هذه الأحزاب سعياً وراء الاتفاق على عدد من الأسماء.
البحث عن قواسم مشتركة
لا تزال الاتصالات المسيحية المسيحية قائمة، وآخرها ما يقوم به نائب رئيس مجلس النواب، الياس بو صعب، الذي زار الضاحية الجنوبية الأسبوع الفائت. وتقول بعض المعلومات إنه يستعد لزيارة معراب أيضاً. لا يقتصر التحرك على بو صعب وحده، فالتواصل بين نواب مسيحيين من الأحزاب وآخرين مستقلين مستمر. عدد من النواب أيضاً يعمل على إجراء اتصالاته للوصول إلى قواسم مشتركة. وتشير المعلومات إلى أن المرتكز الأساسي في ذلك يبقى بما يمكن أن يتفق عليه التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية. وهذا لا يزال يحتاج إلى جهد كبير.
في هذا السياق، بدأت الكواليس اللبنانية تضج بالكثير من القراءات التي تشير إلى أن المعركة الرئاسية في ملعب المسيحيين، والذين بحال اتفقوا على مرشح يمكن أن يعملوا على إيصاله، لا سيما في حال كان مرشحاً يحظى بمقبولية الأطراف الأخرى.
هذه المعادلة لها نتائجها السلبية أيضاً -حتى الآن- على ترشيح سليمان فرنجية، والذي يتم الردّ عليه سريعاً بأنه لا يحظى بالغطاء المسيحي، وأن مقاطعة جلسات انتخابه ستبقي النصاب مفتقداً. وبالتالي، لا يمكن أن تعقد الجلسة. إذ لا مجال لحضور 86 نائباً في القاعة العامة. ما يضيف المزيد من المسؤوليات على القوى المسيحية أيضاً.
أربعة مواقف
على وقع هذا الانقسام القائم، برزت أربعة مواقف لا بد من الوقوف عندها. الموقف الأول، لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة، النائب محمد رعد، الذي أكد أن الحزب منفتح على التوافق ويريد الحوار للاتفاق على رئيس، وأن لدى الحزب مرشحاً، ولكنه لا يمانع الذهاب إلى حوار. الموقف الثاني، هو ما جرى تسريبه عن مسؤولين فرنسيين بأن طرحهم لا يزال الأكثر واقعية، وأنه في ظل الاستعصاء القائم داخلياً، يمكن تحقيق خرق لدى السعودية إزاء هذه المعادلة، لا سيما بعد المواقف التي أطلقها سليمان فرنجية، وتضمّنت الضمانات المقدمة للسعودية. الموقف الثالث، هو ما أعلنه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، قبل أيام، بأنه لن يتدخل بعد الآن في طرح الأسماء أو ترشيح أحد. أما الموقف الرابع، فهو ما صدر على لسان النائب وائل أبو فاعور بأن السعودية تعيد دراسة موقفها بشأن الاستحقاق الرئاسي. ومعروف مدى علاقة أبو فاعور بالسعوديين، وأن هذا الكلام إذا ما أضيف إلى كلام جنبلاط، فيمكن أن يكون هناك متغيّر ولو بسيط. كل ذلك وتنتظر القوى السياسية أي إشارة قد تصدر عن السفير السعودي وليد البخاري، والذي لم يقم حتى الآن بأي خطوة علنية أو مشهودة تتصل بالتطورات حيال الاستحقاق.
الإصرار الفرنسي
بناء على كل هذه القراءات والمواقف، تفيد بعض المعلومات بأن الضغط الفرنسي في سبيل إنجاز الاستحقاق مستمر، وينتقل إلى مرحلة جديدة، تتصل بإعطاء مهلة زمنية للقوى المسيحية للاتفاق على مرشح فيما بينهما، ويتم طرحه على القوى الأخرى لمعرفة مدى مقبوليتها تجاهه. فبحال كان ذلك ممكناً، هو السبيل الوحيد للخروج من “الشرنقة” القائمة. أما بحال عدم التوافق فيما بينهم، فإن ذلك سيقود في النهاية إلى الإصرار على فرنجية، وإقناع القوى الخارجية به، على قاعدة أن الوضع في لبنان لا يحتمل المزيد من الانتظار، ولا بد من الوصول إلى صيغة توافق خلال شهر حزيران.
لكن هذا المسار أيضاً يبقى دونه عقبات سياسية، داخلية وخارجية، لأنه سيكون بحاجة إلى جهود استثنائية ومفاوضات موسعة وترتيبات بين الداخل والخارج، حول التنازلات التي سيتم تقديمها والمكاسب التي سيتم تحصيلها في المقابل. لا سيما أن الطرف الذي سيغير موقفه وسيمنح مكسباً لطرف آخر، لا بد له أن يحقق المكسب البديل. كما أنه في حال أرادت الرياض التنازل أو التسهيل، فهل سيكون ذلك للفرنسيين أم للإيرانيين أم للأميركيين؟ ومقابل ماذا؟