كتبت لارا بصل في “الجمهورية”:
«لي صخرةٌ عُلقت بالنجم أسكنها طارت بها الكتبُ قالت تلكَ لبنانُ»
لربما مررتَ يومًا ما بجانب أشعار سعيد عقل. لكن قطعًا صادفك هذا البيت على ورقٍ أو ضمن ألحانِ فيروز. لبنان تغنّى به الشعراء على مدى عقود، الّا أنّ اللبناني لم يتهن به. اليوم أصبح الوصول إلى النجم ضرب خيال لنا نحن اللبنانيين، وتلك الصخرة التي كفكفتنا قرونًا أمسى ثمنها باهظًا.
لبنان هو مقصدٌ لعدد كبير من السياح، وهذا ليس بجديد. ولكن في الأعوام الأخيرة لاحظنا تزايدًا بنسبة السياح. واستنادًا لأرقام وزارة السياحة، بلغ عدد السياح 1.46 مليون سائح في العام الفائت، أي أكثر من عام 2021 بنسبة 64.7%. كما ويتوقع اتحاد النقابات السياحية أننا أمام موسم صيفي واعد، وأنّ نسبة الحجوزات بلغت 70%.
لذا يكمن السؤال عن سبب تزايد نسبة السياح، بخاصة بعد الأحداث الكثيرة التي مرّ فيها لبنان أخيرًا.
يُعدّ لبنان رخيصًا للسياح الأجانب، وإن اختلف الأمر على من يقطنه. مع ذلك الكلام المكرّر عن جمال لبنان وتعدّد معالمه التراثية وواجهته الثقافية، لم يكن له الفضل بازدياد نسبة السياحة. الأزمة الاقتصادية التي وصفها اللبنانيون كنقمة، يعتبرها الأجانب نعمة. ولربما هذا أيضًا من اختلاف الثقافات الذي نشتهر به بل ونكون مغناطيسًا له.
القطاع السياحي هو إحدى الحبال الأساسية التي يتمسك بها الوضع اللبناني. ففي عام 2009 كانت عائدات السياحة حوالى 10 مليارات دولار، أي انّ لبنان يعتمد على هذا القطاع. السياحة اليوم لا تُعتبر المنقذة الّا أنّها المنعشة.
السبب الرئيسي لاستقطاب أعداد كبيرة من السياح هو رخص الأسعار بالنسبة إلى البلدان السياحية الأخرى. واستنادًا لرئيس اتحاد النقابات السياحية بيار الأشقر، فلبنان يعدّ الأرخص في المنطقة، خصوصًا من حيث سعر الفنادق.
إن دققنا بالأسعار سنجدها رخيصة بالفعل للأجانب. فهي تتراوح بين 25 دولارًا إلى 100 دولار، وهذا يتضمن الفنادق ذات خمس نجوم. ليست أسعار الفنادق وحدها الزهيدة، فحتى من ناحية الأكل والشرب هنالك رخص، فما كان يُسعّر بـ10 دولارات أصبح الآن بـ4 دولارات. وبشكل عام السياحة في لبنان تكلّف 770 دولارًا للشخص الواحد.
أصبحت السياحة تُرى من منظور الأجنبي. وحده اللبناني يبصر الواقع من نافذته، وحده اللبناني ينتظر سعر الصرف كل صباح، وحده اللبناني يحتسب كل ألف ويخبئ كل ليرة، ووحده اللبناني يشعر بالخيانة بعد أن أصبحت السياحة في بلده أغلى منه.
هنالك العديد من علامات الاستفهام ومنها التي تخبرنا أننا أصبحنا نتحايل على بعضنا البعض. فالشاليهات التي يجب أن تكون منفذًا للمواطن وأرخص من الفنادق، هي اليوم أغلى بكثير. على سبيل المثال، هنالك إعلانات عن شاليهات بـ200 دولار ليوم واحد فقط. ويُعتبر مبلغًا باهظًا، فحتى فندق خمس نجوم نسبته أقل. اللبناني اليوم لا يمكنه ارتياد شاليه بـ200 دولار، فهو يمثل مدخوله كاملًا، بخاصة إن كان أجره بالليرة فقط.
وإن أكملنا البحث من منظور اللبناني سنرى أنّ السفر إلى خارج لبنان أرخص، إذ أن هنالك بلدانًا كتركيا مثلاً تحتاج لـ 50 دولارًا في اليوم كي تقوم بالسياحة فيها، على عكس لبنان حيث أنك ستدفع 110 دولارات.
فجأة تصبح تلك المعالم التي نمتلكها لغيرنا، وتلك المناظر حافظنا عليها لنُحرم منها، وأصبح لبنان أغلى مما نقدر عليه. نظن أنّ مشاكلنا مختصرة فقط على الهجرة، الدولار والعمل. نتحدث كثيرًا عن التعب دون أن نلقي بالاً على حقنا في الاستمتاع داخل وطننا. لربما السياحة هي إحدى أعمدة الاقتصاد الّا أنّ اللبناني هو أساس الوطن بكل قطاعاته.