كتب د. مازن ع.طيب في “اللواء”:
يشهد لبنان استفحالاً في ظاهرة تسوّل الأطفال السوريّين ضمن شبكات منظّمة تعمل يومياً وتنشط في مواسم الأعياد وفي فصل الصيف. وغالباً ما يكون الطفل اللاجئ ضحية وأداة للتسول عبر ارغامه على جمع المال لصالح والديه أو أشخاص آخرين بالاتفاق مع والديه، بحيث تتفق بعض أسر اللاجئين السوريين مع أحد المشغلين على تسليمه أطفالها للعمل في التسول مقابل مبلغ من المال، وتزيد قيمة البدل كلما كان الطفل أصغر سناً أو كان مصاباُ بعاهة جسدية. ويمكن عدّ هذا الطفل ضحية جريمة الإتجار بالأشخاص بحسب القانون رقم ١٦٤ للعام ٢٠١١، لأن القانون اللبناني يضع التسوّل في إطار استغلال حالة ضعف لدى هؤلاء الأطفال اللاجئين. وإزاء هذه الآفة المتنامية أصبحت الملاحقة القضائية ضرورية ولا بد من ممارسة الضابطة العدلية دورها في إلقاء القبض على المشغّل وأهل القاصر والمتسوّل إذا اتمّ سنّ الرشد.
تشير الإحصاءات الى أنّ التسوْل يؤدي الى انحراف أكثر من ٧٠ في المئة من أطفال الشارع وقيامهم بأعمال إجرامية بحيث يصبح طفل اليوم هو مجرم الغد، ما يؤكد أن آفة التسوّل هي قنبلة موقوتة تدمّر المجتمع، وذلك لأنّه من دون توجيه الأطفال على الطريق الصحيح وإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع سيتحولون إلى مجرمين. كذلك تشير الأرقام الى أنّ عدد الأطفال المتسوّلين يصل الى ٢٥ ألفاً حوالي ٦٠ في المئة منهم من حملة الجنسية السورية، ويتحمل مسؤولية تضخّمها المنظمات الدولية والأهالي والضابطة العدلية.
يعاقب قانون العقوبات المتسوّلين ويحكم على الأجانب بالمواد ٦١٧ و٦١٨ منه، كما يمكن أن يقضي الحكم بطردهم من لبنان بموجب المادة ٦٢١ منه. الّا أنّ القانون يشوبه ثغرات قانونيّة أبرزها ليونة العقوبات وفقدانها للقوّة الرادعة في وجه المتسولين او الذين يديرونهم، بحيث تبدو العقوبات غير ذي جدوى أمام حجم الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال نتيجة تواجدهم في الشارع. كما أن قيمة الغرامات ومدّة العقوبة تبدو هامشية أمام حجم الأموال التي يمكن جنيها يومياً من ادارة شبكة تسول في لبنان. كذلك هناك خشية من أن يكون التسوّل واجهة تخفي نشاطات تتعلق بالنشل والدعارة والترويج للممنوعات.
لذلك كلّه أصبح من الضرورة الملحّة مكافحة هذه الظاهرة الخطرة ومعالجتها جذرياً من خلال التشدد في تطبيق القانون وتعديل المواد المتعلّقة بالتسوّل لا سيما قيمة الغرامات ومدّة السجن، وتفعيل دور الضابطة العدلية في إلقاء القبض على المشغّل وأهل القاصر والمتسوّل إذا اتمّ سنّ الرشد، ومعاقبة كلّ مستغل للأطفال أو النساء أو العجزة أو المعوَّقين. كذلك يجب تفعيل التعاون بين الأجهزة الرسمية وهيئات المجتمع المدني لوضع برنامج فعّال للتوعيّة على خطورة آفة التسوّل، وحثّ المجتمع على عدم التعاون أو التعاطف مع أي متسوّل وخصوصاً أفراد مافيات التسوّل السوريّة، لا سيّما في العاصمة بيروت.