Site icon IMLebanon

التوافق مفتاح الخروج من الأزمة… وإلا الفراغ

كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:

يُنتظر أن تعود الحيوية إلى المساعي المحلية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد وضع القمة العربية رحالها. صحيح أنها شكّلت محطة لاستكشاف مدى اهتمام العرب بالأزمة اللبنانية والمساعدة على الخروج منها (والإهتمام راهنا متعثّر)، لكنها بالتأكيد لن تقدّم الترياق للداء المستفحل، ولن تتورط حكما ومنطقا في محاولة المنظومة جرّ العرب من أجل تمويل إعادة إنتاج نفسها.

كان الخارج واضحا بأن المعبر اللبناني للعودة الى النظام العالمي يكمن في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة بإلحاح ومن ثم توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. دون هذين الأمرين لن تكون العودة ميسّرة ولن يمدّ أحد يد المساعدة. هزئ المسؤولون بالخارج وظنّوا أن الشطارة اللبنانية (كما تظهّرت في مؤتمرات باريس السابقة) هي معينهم في توريط الخارج من دون الحاجة الى الإصلاحات التي هي في جوهرها ضرب لمصالحهم ونسف لمكتسباتهم وغنائمهم.

لكن ما حصل هذه المرة ان الخارج هو الذي هزئ بهم، وترك اللبنانيين لمصيرهم أسرى المنظومة وأزلامها، فتداعى الهيكل وحلّت الكارثة الاقتصادية والمالية، وانهمك أركان الدولة العميقة في لملمة خسائرهم وتهريب أموالهم إلى الخارج.

رغم كل ذلك، لم تجد المنظومة حاجة إلى العودة الى جادة الصواب، والإنطلاق بمشروع التعافي المالي والاقتصادي والسياسي. ولم يقتنع أصحاب الحل والربط أن المبادرة المحلية لانتخاب الرئيس العتيد، نقطة انطلاق أي حل، هي بالمصافي نفسها لأي مبادرة خارجية، لا بل تفوقها أهمية وفاعلية في ضوء ابتعاد الخارج وتفضيله عدم التورّط في أي مغامرة لبنانية قد تكون غير محسوبة.

في كل هذا، يرتسم المشهد الرئاسي – السياسي على الشكل الآتي:

1- لم يدرك الثنائي الشيعي بعد أن إصراره على رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وصفة قاتلة للبنان في الأزمة الكيانية التي تكبّله. هو يتحدّى الإرادة المسيحية الرافضة لرئيس يريده حزب الله لحماية ظهره ليس إلا، وتختاره حركة أمل لكي تضمن ضخ الدماء في شرايين المنظومة التي تتحكّم بالبلد ومقوّماته منذ 30 عاما وأوصلته إلى الاهتراء والتداعي الحاصل. والسؤال البسيط الذي يُطرح على الثنائي: هل صدّق نفسه أن رفع فيتو السعودي يعني ضوءا أخضر لانتخاب فرنجية واحتضانه عربيا؟ هل يقدّر مدى المخاطر الناجمة عن تحدّي الإرادتين العربية والغربية، ما خلا الفرنسية، عبر الإتيان برئيس غير إصلاحي، لا مشروع له ولا رؤية ولا قدرة، يتكّئ حصرا على زند حزب الله وحنكة رئيس مجلس النواب نبيه بري؟

2- تحاول المعارضة لملمة صفوفها حول مرشّح لمواجهة ترشيح الثنائي الشيعي رئيس تيار المردة. لكن تلك المعارضة لم تتيقّن بعد، أو هي تيقّنت أن المواجهة في حدّ ذاتها هي الوصفة المثالية لافشال انتخاب الرئيس، واستطرادا التمادي في الفراغ القاتل. ومنطق الأمور في حدّه الأدنى أن تطرح المعارضة على نفسها السؤال البسيط: هل بإمكان أي رئيس مهما بلغ التأييد له أن يحكم يوما واحدا متحدّيا المكوّن الشيعي؟ أصلا، من هو هذا الإنتحاري الذي يقبل بهكذا مهمة؟ وهل استفسرت المعارضة من جهاد أزعور، على سبيل المثال، عن مدى رغبته في خوض مغامرة التحدّي هذه؟

3- يدرك التيار الوطني الحر هذا الواقع بجَنْبيه المعارض والممانع. فتح قنوات الحوار بلا عقد ولا سابق تخيّلات وأوهام. قال للحزب (منطق الممانعة) إن زينة العقل والمدخل الى أي حوار منتج للتوافق على رئيس يقتضي الخروج من ترشيح فرنجية لا التفاوض به وإسباغ عروض الوعيد والرغيد. وقال للمعارضة (منطق المواجهة) إن من الرعونة بمكان الإتفاق بالقوة على انتخاب رئيس يرفضه الثنائي الشيعي، وحزب الله على وجه التحديد. لذا لا بد من كلمة سواء يسبقها ان يضع كُلٌّ من فريقي الممانعة والمواجهة سلاح التحدّي جانبا. عندها فقط يمكن للحوار أن يوصل إلى توافق الحد الأدنى، فيأتي الرئيس القادر على إعادة ربط لبنان بالخارج وعلى بدء مسيرة الإصلاح والتعافي وإدارة البلاد بالكفاءة والعلم المطلوبين.

في انتظار أن يهتدي الممانعون والمواجهون، سيبقى الفراغ هو الرئيس!