كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
في الوقت الذي باتت فيه مساحة المناورات و«الدلع» بشأن الاستحقاق الرئاسي تضيق الى أبعد الحدود، وفي الوقت الذي تصل فيه رسائل من بعض الدول العربية الى المسؤولين تحمل في مضامينها تأكيدات جازمة بأن عدوى الانفراجات التي تحصل في المنطقة ستصيب حتماً لبنان، فإن الممسكين بالملف اللبناني من الفرنسيين أبلغوا من يفهم الامر بأن الوساطة الفرنسية بشأن انتخاب رئيس للجمهورية لن تدوم طويلاً، وأن باريس ربما بصدد الاعلان عن موقف سلبي قبل منتصف حزيران المقبل، ما لم يكن هناك من خرق جوهري وبناء في جدار هذه الازمة.
كل ذلك يحصل ولا يوجد آذان صاغية من القوى السياسية التي لم تتقدم بعد مضي اكثر من خمسة اشهر على الفراغ الرئاسي قيد أنملة باتجاه التوافق لانجاز هذا الاستحقاق الذي يعترف القاصي والداني بأنه المدخل الحقيقي لبلوغ هدف معالجة الانهيار الحاصل على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، لا بل إن هؤلاء ماضون في عملية التعطيل مستفيدين من تمترسهم وراء مواقفهم من موازين القوى الموجودة تحت قبة البرلمان والتي الى الآن ما زالت تحول دون تمكن اي فريق بذاته الاستئثار في عملية انتخاب رئيس.
ويبدو ان التموضعات السياسية القائمة حالياً باتت تصيب المتعاطين بالملف اللبناني اقليمياً ودولياً حيث يصابون بالحيرة في امرهم، ويستغربون كيف ان المسؤولين في لبنان يرون بلدهم بأم العين يغرق بأزمات لم يألفها منذ الاستقلال وفي عز الحرب الاهلية ولا يحركون ساكناً، لا بل إنهم مستمرون في معركة شد الحبال غير آبهين بالخسائر الفادحة التي ستطال الجميع في حال لم يسارعوا الى وضع حد للفراغ القاتل.
وفي ظل هذا الجو الداخلي غير الصحي على مختلف الصعد، فهناك من يرى من المراقبين عن كثب لمسار الاتصالات الجارية، بأن قرار انهاء الازمة الرئاسية في لبنان اتخذ، وان المشاورات التي جرت على هامش القمة العربية، وتلك التي تجريها باريس بعيداً عن الانظار قد تؤدي في وقت ليس ببعيد الى فتح ابواب القصر الجمهوري امام رئيس يأتي بتسوية بالتأكيد بعد ان سدّت كل المنافذ الداخلية امام حل يقبل به النواب بتلقاء انفسهم لانتخاب هذا الرئيس.
ويؤكد هؤلاء بأننا بتنا في سباق مع الوقت وأن مطلع الشهر المقبل سيعج بالاتصالات والمشاورات داخلياً وخارجياً بغية إزاحة ما تبقى من عقبات من طريق مَنْ سترسو عليه التسوية ليكون رئيساً للبنان.
وعليه فإن السفير السعودي وليد بخاري سيكون الاكثر حركة في الوسط السياسي اللبناني، وانه سينطلق في مروحة اتصالات التي هي استكمال لتلك التي اجراها منذ اسبوعين من مقررات القمة العربية، ومن خلال اسلوب جديد من الحث والنصيحة لاستعجال انتخاب رئيس، وان لقاءات بخاري هذه المرة ربما تشمل شخصيات وقوى لم تكن مدرجة على جدول زياراته ولقاءاته السابقة.
ووفق المعلومات فإنه سيجري التركيز على تحديد موقف نهائي للنواب الذين يصنفون انفسهم خارج سرب هذا الفريق او ذاك، علّ ذلك يؤدي الى فتح كوة في الجدار الرئاسي يمكن من خلاله حمل بعض الاطراف على اعادة النظر في مواقفهم، خصوصاً وان القوى التي تعارض وصول سليمان فرنجية الى سدة الرئاسة ما تزال عاجزة عن الاتفاق على مرشح منافس، وان العقبة الاساسية في ذلك هي ادراك هؤلاء بأن النائب جبران باسيل ربما يجنح في اي وقت باتجاه الضفة الاخرى، بينما بالنسبة لموقف رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط، فإن المعارضة لا تعوّل عليه كثيراً على اعتبار ان جنبلاط لن يترك حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري وهو عندما يرى الظرف المناسب سيعلن ذلك صراحة، كما حصل في محطات سابقة، اما هذا المشهد فإنه ووفق مختلف المعطيات والمعلومات لم يعد من مجال لانتخاب رئيس الا على طريق تسوية تؤدي الى انجاز الاستحقاق الرئاسي إما بالرضى لدى فريق من اللبنانيين، وإما بالإكراه لدى فريق آخر.