كتبت باسمة عظوي في “نداء الوطن”:
تتقاذف الحكومة مع مجلس النواب كرة نار تأمين رواتب القطاع العام لشهر حزيران، بعدما دعت الحكومة في جلستها الاخيرة يوم الجمعة الماضي «البرلمان الى الالتئام في أسرع وقت ممكن، من أجل اقرار قوانين فتح اعتمادات اضافية خاصة بالرواتب والاجور والمساعدات الاجتماعية والتعويضات الاضافية»، وقد جاءت هذه الدعوة على اثر ابلاغ وزير المال يوسف خليل مجلس الوزراء عدم توافر الاعتمادات المالية اللازمة للأجور لجميع العاملين في الاسلاك المدنية والعسكرية ابتداء من شهر حزيران.
ليس واضحاً الى الآن ما إذا كانت هذه الازمة ستكبر في القادم من الايام، خصوصاً أن السجال بين القوى السياسية يمكن أن يعلو مجدداً حول دستورية أو عدم دستورية التئام مجلس النواب والتشريع في ظل الفراغ الرئاسي. هذا «الخلاف الدستوري» سبق أن اندلعت نيرانه أثناء الفراغ الرئاسي الحالي وآخرها حول التمديد للمجالس البلدية، الّا ان تداعيات عدم عقد جلسة تشريعية لاقرار اعتمادات الرواتب هذه المرة لن تنحصر بالتأكيد بالواقع السياسي، بل أيضاً بالمعطى الاقتصادي والامني والاجتماعي على السواء.
أقر مجلس الوزراء في الجلسة الاخيرة دفع كامل التعويضات الإضافية (أربعة أضعاف) عن شهر أيار كاملة، وإقرار التعويض الموقت كان هدفه إمتصاص النقمة من الشارع، لكن المماطلة لشهر قبل إرسال طلب حجز الاعتماد إلى المجلس النيابي قد تعود الى عدم وجود تمويل للمعاشات من الأساس (على ما يفترض بعض المتابعين)، فهل تحتمل القوى السياسية ردات الفعل الشعبية على هذه المماطلة في ظل دعوات جدية من مختلف فئات الموظفين والعسكريين المتقاعدين للعودة الى الشارع؟
وما هو موقف المؤسسات العسكرية من جيش وقوى امن المرتقب من هذه المماطلة، لجهة ضمان استمرار العناصر في القيام بواجباتهم على الارض من دون أن يتقاضوا رواتبهم، وهل يمكن لقيادات هذه القوى اجبارهم على حفظ الاستقرار الهش في البلاد؟
ان لبنان أمام تحدّي استمرار عمل المرافق العامة، لتتجه الأنظار مجدّداً إلى الإمتحانات الرسميّة وضرورة إجرائها ، فهل يمكن ان يحصل هذا الأمر من دون رواتب واعتمادات؟ وهناك انعكاس هذا التطور على الموسم السياحي الواعد مقابل امكان حصول اضطرابات شعبية، موسم تراهن القوى السياسية على أن يساهم في تمويل «السياسات الترقيعية» التي تنتهجها منذ بداية الازمة ويؤمّن لها القليل من «المسكنات» التي تدفع اغلب الشعب اللبناني للقبول بواقعه المرير.
يؤكد المتابعون أن حكومة تصريف الاعمال تجني أموالًا من الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة وغيرها، لكنها لا تُصرّح عن قيمة هذه الأموال ولا توجد شفافية في ما خص حجمها وكيفية صرفها، وما اذا كانت تكفي لدفع الرواتب مع الزيادات؟
ويتوقع المتابعون أنه في حال عدم نقل الاعتمادات ودخول البلاد في حالة الشلل الكامل، فان خسارة الاقتصاد اللبناني يومياً ستكون بين 15 و20 مليون دولار (قياساً الى حجم الناتج).
التشريع ممكن
في الميزان الدستوري، يشرح أستاذ القانون الدستوري في معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف وسام اللحام لـ»نداء الوطن»، أن «مجلس النواب في عقد استثنائي دائم لأن الحكومة مستقيلة وليس بسبب الفراغ الرئاسي. كما انه يحق للمجلس التشريع في ظل الفراغ الرئاسي». فصحيح ان هناك آراء سياسية وقانونية ترى انه لا يحق له التشريع، الا انه يرى كخبير دستوري أنه يحق للبرلمان ذلك، كما أن هذا اللغط انتهى يوم الثلاثاء الماضي حين أصدر المجلس الدستوري قراراً برد الطعن بقانون التمديد للبلديات، وهذا يعني أنه يحق للمجلس التشريع حتى لو لم يكن هناك رئيس للجمهورية ، ولكن في الجلسة المخصصة لانتخاب الرئيس لا يحق له التشريع». يضيف: «سياسياً يمكنهم التعليق على هذا الامر قدر ما يشاؤون، لكن المجلس الدستوري حسم الامر ويحق للبرلمان الدعوة الى جلسة لاقرار الاعتمادات لأنه في عقد استثنائي حكمي بسبب استقالة الحكومة، وهذا العقد بدأ في أول حزيران الحالي. أما العقد العادي للمجلس فانتهى في 31 أيار المنصرم».
يشدد اللحام على أن «الكرة بيد الرئيس نبيه بري لدعوة المجلس الى الانعقاد وتأمين النصاب من أجل التشريع لتأمين الاعتمادات المطلوبة، وهي ليست المرة الاولى التي يحصل هذا الامر بل سبق ان حصل تحت عنوان «تشريع الضرورة»، وفي الماضي القريب حصل يوم مدّد المجلس الحالي للمجالس البلدية، والمحصلة هي لا مشكلة دستورية في انعقاد المجلس للتشريع اذا ارادت الطبقة السياسية منح الرواتب للقطاع العام».