كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
لم تتوافق حسابات حقل العشائر والعائلات مع بيدر المجلس الدستوري في قبول الطعن المقدّم بالتمديد للمجالس البلدية والإختيارية سنة ثانية تضاف إلى السنة الممدّدة من العام الماضي، فهدأت محرّكات الجولات والاجتماعات التي كانت تتحضّر بحثاً عن مرشحين وتركيب لوائح.
علّقت الآمال على قرار المجلس الدستوري في إعادة إحياء الديمقراطية وإجراء انتخابات بلدية واختيارية في ظل جمود الانتخابات الرئاسية، وضخّ دمٍ جديد في تلك المجالس التي طال انتظار تغيير العديد منها بفعل الفساد المستشري، وغياب الإنجازات، فضلاً عن فرض أسماء وشخصيات استفزازية لا تقف على آراء الناس وخياراتها، بل كانت ضمن سلّة مبنيّة على التقسيمات العائلية والحزبية. وفيما توقّع كثيرون أن يُقبل الطعن المقدّم من قبل عدد من الكتل النيابية، فتجري الإنتخابات في شهر أيلول كحدٍّ أقصى، ويكون التمديد ثلاثة أشهر فقط، كان قرار ردّ الطعن وسريان مفعول التمديد كالقشّة التي قصمت ظهر البعير، وزادت المواطنين قناعةً أنّ القانون والدستور تحكمه التبعية لا الشفافية.
إجتمعت مصالح بعض الأحزاب حول التمديد للمجالس البلدية والإختيارية، ولم تخفِ ما كان يدور في صالوناتها، حين كانت تُسأل عما اذا كانت الإنتخابات ستحصل ليكون الجواب بالنفي. وبعد تقديم الطعن، لم يتغير شيء، حين يُطرح السؤال يكون الردّ جاهزاً: التمديد نافذ. وعملت منذ سنة على تغيير بعض رؤساء البلديات والإتحادات يقيناً منها أن التمديد لسنتين، وأن هذه المهلة يمكن أن يستفاد منها في تقسيم الولايات بين العائلات وإعطاء عددٍ منها حصتها كما وعدتها سابقاً، وأزاحت عن الطريق عبئاً كانت تحمله للإستحقاق المقبل.
ولأنّ الدولة اللبنانية في حال إفلاس، والبلديات على امتدادها في مختلف المحافظات والأقضية لا تقبض مستحقاتها من الصندوق البلدي المستقل، وتكاد تكون الجباية معدومة، وفي ظلّ الأزمة المالية المستفحلة، شُرّعت الأبواب أمام الدعم المالي الذي تتلقّاه من أحزاب فاعلة في مناطقها، ومؤثرة في قراراتها ومجالسها، ومن جمعيات تقدّم خدماتٍ لها بالواسطة عن منظمات دولية وجهات مانحة مقابل تمرير مشاريع أكبر بكثير.
واعتبرت مصادر متابعة «أنّ التمديديْن، في ظلّ الأزمة المالية المستعصية في لبنان وغياب تمويل الدولة للبلديات عبر الصندوق البلدي المستقل، جعلها رهينة الأحزاب التي تمدّها بالمساعدات لا سيّما المادية منها، فتتمكّن من خلالها من الاستمرار وتسيير خدمات المواطنين، من إزالة نفايات وإجراء الإصلاحات الضرورية في شبكات المياه والحُفر على الطرقات وغيرها. فالأمر، وإن كان ظاهره جيداً ويحمل في طياته منع انهيار البلديات، لكن في جوهره يعمّق تدخّل الأحزاب في قرارات هذه البلديات وعملها، وإنصياعها لكافة الطلبات».
تضيف: «وبدل أن تكون تلك المجالس سيدة نفسها، باتت أسيرة مساعدات الأحزاب لها. أمّا الجانب الآخر فيكمن في جمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي تقدّم المساعدات العينية وغير العينية إلى تلك البلديات، وتكون صلة الوصل مع الجهات المانحة لتحصل الأولى على آلية نقل نفايات من هنا أو حاويات من هناك، والخطورة تكمن في قيام تلك الجمعيات بتوقيع اتفاقيات مع البلديات تنص على أن تكون الأولى الممثّل الرسمي لها مع الجهات المانحة، ويمكن لها أن توقّع عنها في تنفيذ المشاريع أو الحصول على تمويل وغير ذلك. وعليه، تستفيد تلك الجمعيات على حساب البلديات، وتحصل على الأموال اللازمة في مشاريع ذات منفعة خاصة لها تحت غطاء اسم البلدية، وقد حصلت سابقة في هذا الشأن وكلفت إحدى الجمعيات التفاوض والتوقيع عن البلدية مع سفارة إحدى الدول الأجنبية».