كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
أماطَ القضاء العسكري في لبنان اللثام عن ملابسات حادثة الاعتداء على دورية تابعة للكتيبة الآيرلندية، العاملة ضمن قوات «اليونيفيل» في بلدة العاقبية، بجنوب لبنان، في 14 كانون الثاني الماضي، وأسفرت عن مقتل أحد عناصر الدورية، ومحاولة قتل 3 من رفاقه. واتهم قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوّان، الموقوف الوحيد في القضية محمد عيّاد، و4 آخرين فارّين من وجه العدالة هم: علي خليفة، وعلي سلمان، وحسين سلمان، ومصطفى سلمان، بـ«تأليف جماعة من الأشرار أقدمت على قتل الجندي الآيرلندي عمداً». وسطّر مذكرات بحث وتحرٍّ لكشف هوية بقية المتورطين في الحادثة، وتوقيفهم وسَوقهم إلى العدالة. واعتبر أن أفعال المتهمين المذكورين ينطبق عليها نص المادة 335 التي تتحدث عن تأليف جماعة أشرار، والفقرة الخامسة من المادة 549 من قانون العقوبات اللبناني، التي تنصّ على أنه «إذا ارتكب جرم على موظّف رسمي، أثناء ممارسته الوظيفة، أو في معرض ممارستها أو بسببها، يعاقَب بالإعدام». وأشار إلى أن «الاتفاقية الموقَّعة بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة تتضمن، في المادة 45 منها، أن الجرائم التي تُرتكب على قوات (اليونيفيل) أو أحد عناصرها، يطبَّق عليها النص ذاته الذي يطبَّق على الجُرم الواقع على القوات المحلية».
وقال مصدر قضائي بارز بالمحكمة العسكرية إن القرار الاتهامي، الذي يقع في 30 صفحة، «تضمّن كل الأدلة التي استند إليها قاضي التحقيق، ومنها إفادات الشهود، وتسجيلات بالصوت والصورة لكاميرات المراقبة التي ضُبطت في محيط موقع الكمين الذي تعرضت له الدورية الآيرلندية». وأوضح أن «محتوى التسجيلات أظهر بشكل واضح محاصرة الدورية المعتدى عليها من كلّ الجهات، ومهاجمتها من قِبل مسلَّحين، وسُمع أحدهم يصرخ بالدورية ويقول (نحن من حزب الله)، كما بيّنت صور الكاميرات مناداة العناصر لبعضهم البعض عبر الأجهزة اللاسلكية».
وجزَم المصدر القضائي، لـ«الشرق الأوسط»، بأن «الحادثة لم تكن مدبَّرة ولا مخططاً لها مسبقاً، بل وليدة لحظتها، وهي جاءت على أثر خروج الدورية عن الطريق العام بالخطأ، إلّا أن القاضي صوّان استبدل ادعاء النيابة العامة بجريمة القتل القَصدي وشدّدها إلى القتل العمدي». ووفق ما ورد في وقائع القرار، فإنه «أثناء توجه دورية (اليونيفيل) من الجنوب إلى بيروت، ضلّت طريقها، وسلكت طريقاً فرعية داخل بلدة العاقبية، وما إن وصلت إلى موقع الحادث، جرى تطويقها بالسيارات من كلّ الاتجاهات من قِبل مدنيين، وما لبث أن حضرت سيارات يستقلّها مسلَّحون، وانهالوا بالضرب على أبواب السيارة، ثم أقدموا على خلع باب الصندوق، وبدأوا بالاستيلاء على مُعداتها، وهنا سُمع صوت أحد عناصر الدورية يقول: انتهينا، عندها عمد السائق إلى صدم السيارة المتوقفة أمامه، وانحرف قليلاً وانطلق محاولاً الفرار، وفي هذه الأثناء بدأ المسلَّحون إطلاق النار من الخلف، فعمد العناصر إلى تخبئة رؤوسهم، والانحناء وراء المقاعد، أما السائق الذي كان منطلقاً بالسيارة، فأصيب برصاصة في مؤخرة رأسه اخترقت جمجمته، وهشّمتها وخرجت من فوق حاجبه الأيسر، ما أدى إلى فقدان السيطرة على الآلية العسكرية التي سارت لوحدها بضعة أمتار، ثم اصطدمت بجدار محل مخصص لبيع الدهانات، وانقلبت على جنبها الأيمن».
وتطرَّق القرار، وفقاً للمصدر القضائي، إلى اعتداء آخَر طال آلية ثانية للكتيبة للآيرلندية، برفقة السيارة المعتدَى عليها، وأوضح أن «السيارة الثانية، التي كان فيها ضابط و3 جنود آيرلنديين، توقفت على الطريق الرئيسية، واتصل الضابط بالسيارة الأخرى، وعندما ردّ عليه أحد العناصر، أخبره أنهم وقعوا في كمين، وسمع أصوات الصراخ وصدم الآلية، وهنا وصلت عناصر حزبية وطوَّقوا الآلية الثانية، وترجَّل منها الضابط والعناصر، وفرُّوا إلى أحد البساتين القريبة، واختبأوا بين المزروعات، عندها اتصل الضابط بقيادة (اليونيفيل) التي اتصلت بقيادة الجيش، وحضرت دوريات لمخابرات الجيش إلى المكان، وعملت على حماية سيارة (اليونيفيل)، ونقلت عناصرها إلى مقر قيادة قوات الطوارئ في الناقورة».
وخلص القرار إلى اتهام الأشخاص، المذكورين أعلاه، بالقتل عمداً، وتأليف جماعة أشرار، وسطّر مذكرات تحرٍّ دائم؛ لمعرفة هوية بقية المتورطين في الاعتداء، وأحال الجميع إلى المحكمة العسكرية؛ لمحاكمتهم، كما سلّم صوان نسخة من القرار الاتهامي إلى الدائرة القانونية في «قوات الطوارئ الدولية».