كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
لا دفاتر سوق، لا امتحانات، لا لوحات زرقاء، ولا تسجيل. هذه هي حال مصلحة تسجيل السيارات أو «النافعة» التي لا تزال متعثّرة، عقبات جمّة تقف في وجه مواصلة عملها، المُهدّد بالتوقّف مجدّداً. الموظفّون يلوّحون بالإضراب، جرّاء تخاذل الدولة في دفع المستحقّات، ما يعني العودة إلى نقطة الصفر.
«شرّعت الدولة المخالفة»، هذا ما تسمعه اليوم في مكاتب السوق ومركز النافعة في النبطية. الضريبة المتوقعة لتسجيل السيارة المستعملة «هستيريّة» تتخطّى الـ10 ملايين ليرة، ما يدفع المواطنين إلى الإمتناع عن دفع رسوم التسجيل.
صحيح أنّ إيرادات النافعة اليومية في أي مركز لا تقل عن المليار ليرة، غير أنّ هذا الرقم مهدد بالتراجع بسبب الرسوم الجديدة التي ستدفع وفق سعر صيرفة 83 ألف ليرة، فالتسجيل سيصبح حصراً بالميسورين، أمّا الفقراء فعليهم المخالفة.
استبشر المواطن خيراً من إعادة العمل في مراكز النافعة، التي شهدت طوابير طويلة، بيد أنّ هذه الصورة بدأت تتراجع. وتشير مصادر داخل النافعة في النبطية إلى أنّ «من بين 100 شخص يتقدمون لتسجيل سياراتهم، يدفع 10 ويمتنع 90». ورأت أنّ «الرسوم جاءت غير مدروسة على الإطلاق»، لافتةً إلى أنّ «معضلة النافعة لا تتوقّف هنا، بل يضاف اليها عدم توافر دفاتر سوق، وتوقّف اللجان الفاحصة عن العمل، وغياب لوحات السيارات، وغيرها من العراقيل، التي تجعل من تسجيل السيارة اليوم «مستحيلاً».
حال من التخبّط تشهدها النافعة، التي قد يدخل موظفوها في الإضراب بداية الأسبوع المقبل. فالوعود التي أغدقتها الوزارة عليهم بزيادة الرواتب 5 أضعاف، فضلاً عن رفع بدل النقل اليومي إلى 450 ألف ليرة، قد تبخّرت، بالكاد سيحصل الموظف على 150 ألف ليرة، «تُحضِره إلى العمل ولا تعيده إلى المنزل»، وفق أحد الموظفين، الذي سيلتزم بالإضراب الذي دعت إليه رابطة موظفي القطاع العام.
في الأيام الثلاثة الأولى (أي من 30 أيّار حتى الأوّل من حزيران)، أدخلت مراكز النافعة العاملة إلى خزينة الدولة 19 مليار ليرة، وفق مصادر في المصلحة. هذا الرقم مهدّد بالإنخفاض. فحسابات الدولة لم تتناسب مع حسابات المواطن. كان من المتوقع أن يبدأ العمل بتسجيل السيارات المستعملة مطلع الأسبوع المنصرم، وفقاً لتسعيرة منصّة صيرفة 83 ألف ليرة. هذه الآلية تأخّرت لأنّ نظام المحاسبة غير مبرمج، وينطلق العمل بها مطلع الأسبوع المقبل، وسط حالة امتعاض واعتراض من المواطنين الذين سيؤجّلون عملية التسجيل إلى أجل غير مسمّى.
ليس بمقدور المواطن تحمّل هذا العبء، وعليه «سيسير عالوكالة». وهنا تقول المصادر المواكبة إنّ «الدولة تضع العصيّ في الدواليب وتدفع الناس نحو المخالفة، إذ ليس بمقدور أحد أن يدفع 20 مليون ليرة بدل تسجيل سيارة، في حين أنّ راتبه لا يتجاوز الـ5 ملايين».
في الأرقام، إن تسجيل السيارة وفق 83 ألف ليرة ستصبح كالتالي: السيارة التي كان ثمنها 3 ملايين ليرة ورسم تسجيلها 150 ألف ليرة، ستصبح اليوم 10 ملايين ليرة، «رانج روفر – موديل ٢٠٠٦» على سبيل المثال، سيصبح رسم تسجيله 95 مليون ليرة».
لم تنجح خطَّة الدولة بتحسين عمل النافعة، بل «هرّبت» الناس منها، نتيجة الضرائب العشوائية، الأمر الذي تعدّه المصادر «خطيئة كبرى». وتكشف أنّ «ما يحصل في النافعة يُمهّد للخصخصة». وتسأل: «هل هذا الضغط هو لتمرير الخصخصة أسوة بباقي مؤسسات الدولة؟».
سحبت الدولة الكثير من الصلاحيات من النافعة: فصكّ البيع يُنجز لدى كاتب العدل الذي يتقاضى 70 دولاراً. الكشف على السيارة الذي كان يتمّ في النافعة سيُعتمد في مركز المعاينة، وبذلك تخسر النافعة 50 دولاراً عن كلّ كشف. وإنجاز المعاملة بات عن طريق «ليبان بوست». وبالتي سحب البساط من مكاتب السوق ومعقبي المعاملات، وهو ليس مجاناً كما تشير المصادر، مؤكّدة أنّ «هذه هي بداية الخصخصة للنافعة أسوة بالمعاينة، ما سيحرم خزانة الدولة من إيرادات ضخمة». وتتوقّف المصادر عند سياسة الطبقية المعتمدة التي حصرت التسجيل بالأثرياء فقط، وترى أنه لا حلّ للمعضلة إلا بإعادة النظر بالضرائب ودفع مستحقّات الموظفين، وإلا ستتوقّف النافعة عن العمل مجدداً تحت وطأة الإضراب، فهل تتلقّف الدولة الأزمة قبل وقوعها؟